يقول تعالى: { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ْ} من قرى المكذبين { آمَنَتْ ْ} حين رأت العذاب { فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا ْ} أي: لم يكن منهم أحد انتفع بإيمانه، حين رأى العذاب، كما قال تعالى عن فرعون ما تقدم قريبًا، لما قال: { آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ْ} فقيل له { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ْ}
وكما قال تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ْ}
وقال تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ْ}
والحكمة في هذا ظاهرة، فإن الإيمان الاضطراري، ليس بإيمان حقيقة، ولو صرف عنه العذاب والأمر الذي اضطره إلى الإيمان، لرجع إلى الكفران.
وقوله: { إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا ْ} بعدما رأوا العذاب، { كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ْ} فهم مستثنون من العموم السابق.
ولا بد لذلك من حكمة لعالم الغيب والشهادة، لم تصل إلينا، ولم تدركها أفهامنا.
قال الله تعالى: { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ْ} إلى قوله: { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ْ} ولعل الحكمة في ذلك، أن غيرهم من المهلكين، لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه.
وأما قوم يونس، فإن الله علم أن إيمانهم سيستمر، [بل قد استمر فعلا وثبتوا عليه] والله أعلم.