هذه الآية والتي في البقرة قوله: { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } مقيدتان، لكل نص مطلق، فيه إحباط العمل بالكفر، فإنه مقيد بالموت عليه، فقال هنا: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر { وَصَدُّوا } الخلق { عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } بتزهيدهم إياهم بالحق، ودعوتهم إلى الباطل، وتزيينه، { ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ } لم يتوبوا منه، { فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } لا بشفاعة ولا بغيرها، لأنه قد تحتم عليهم العقاب، وفاتهم الثواب، ووجب عليهم الخلود في النار، وسدت عليهم رحمة الرحيم الغفار.
ومفهوم الآية الكريمة أنهم إن تابوا من ذلك قبل موتهم، فإن الله يغفر لهم ويرحمهم، ويدخلهم الجنة، ولو كانوا مفنين أعمارهم في الكفر به والصد عن سبيله، والإقدام على معاصيه، فسبحان من فتح لعباده أبواب الرحمة، ولم يغلقها عن أحد، ما دام حيا متمكنا من التوبة.
وسبحان الحليم، الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يعافيهم، ويرزقهم، كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم.