تفسير البغوي - Baghaway   سورة  النصر الأية 1


سورة Sura   النصر   An-Nasr
الصفحة Page 603
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)

مكية

( إذا جاء نصر الله والفتح ) أراد فتح مكة .

وكانت قصته - على ما ذكر محمد بن إسحاق وأصحاب الأخبار - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما صالح قريشا عام الحديبية ، واصطلحوا على وضع الحرب بين الناس عشر سنين ، يأمن فيهن الناس ، ويكف بعضهم عن بعض ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ، فدخلت بنو بكر في عقد قريش ، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان بينهما شر قديم .

ثم إن بني بكر عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة ، يقال له " الوتير " ، فخرج نوفل بن معاوية الدؤلي في بني الدئل من بني بكر حتى بيت خزاعة ، وليس كل بكر تابعه ، فأصابوا منهم رجلا وتحاربوا واقتتلوا ، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل مستخفيا بالليل ، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، وكان ممن أعان بني بكر من قريش على خزاعة ليلتئذ بأنفسهم متنكرين : صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، مع عبيدهم فلما انتهوا إلى الحرم قالت بنو بكر : يا نوفل إنا دخلنا الحرم ، إلهك إلهك ، فقال كلمة عظيمة : إنه لا إله لي اليوم ، [ يا بني بكر ] أصيبوا ثأركم فيه .

فلما تظاهرت قريش على خزاعة وأصابوا منهم ونقضوا ما بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العهد بما استحلوا من خزاعة - وكانوا في عقده - خرج عمرو بن سالم الخزاعي ، حتى قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، وكان ذلك مما هاج فتح مكة ، فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس ، فقال :

لا هم إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

الأبيات كما ذكرنا في سورة التوبة .

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قد نصرت يا عمرو بن سالم " ، ثم عرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنان من السماء ، فقال : " إن هذه السحابة لتستهل ، بنصر بني كعب " ، وهم رهط عمرو بن سالم .

ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة ، حتى قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه بما أصيب منهم [ وبمظاهرة ] قريش بني بكر عليهم ، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للناس : كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشد العقد ويزيد في المدة .

ومضى بديل بن ورقاء فلقي أبا سفيان بعسفان ، قد بعثته قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشد العقد ويزيد في المدة ، وقد رهبوا الذي صنعوا ، فلما لقي أبو سفيان بديلا قال : من أين أقبلت يا بديل ؟ وظن أنه قد أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : سرت في خزاعة في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي ، قال : أوما أتيت محمدا ؟ قال : لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان : لئن كان جاء المدينة لقد علف ناقته بها النوى ، فعمد إلى مبرك ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى ، فقال : أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا .

ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوته عنه ، فقال : يا بنية أرغبت بي عن هذا الفراش أم أرغبت به عني ؟ قالت : بلى هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنت رجل مشرك نجس ، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : والله لقد أصابك يا بنية بعدي [ شيء ] ثم خرج حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه فلم يرد عليه شيئا [ غير أنه قال : نقض أهل مكة العهد ] .

ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال : أنا أشفع لكم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ! فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ، ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وعنده فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندها الحسن بن علي رضي الله عنهما ، غلام يدب ، بين يديها ، فقال : يا علي إنك أمس القوم بي رحما وأقربهم مني قرابة ، وقد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا ، اشفع لنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : ويحك يا أبا سفيان لقد عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه ، فالتفت إلى فاطمة فقال : يا بنت محمد ، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟ قالت : والله ما بلغ بني أن يجير بين الناس ، وما يجير على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد ، فقال : يا أبا الحسن - إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني ، قال : والله ما أعلم شيئا يغني عنك ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك ، قال أوترى ذلك مغنيا عني شيئا ؟ قال : لا والله ، ما أظن ، ولكن لا أجد لك غير ذلك .

فقام أبو سفيان في المسجد فقال : يا أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ، ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش قالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمدا فكلمته والله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة ، فلم أجد عنده خيرا ، فجئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ، ثم أتيت علي بن أبي طالب فوجدته ألين القوم ، وقد أشار علي بشيء صنعته ، فوالله ما أدري هل [ يغنيني ] شيئا أم لا ؟ قالوا : وماذا أمرك ؟ قال : أمرني أن أجير بين الناس ففعلت ، قالوا : فهل أجاز ذلك محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : لا قالوا : والله إن زاد علي على أن لعب بك ، فلا يغني عنا ما قلت ، قال : لا والله ما وجدت غير ذلك .

قال : وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بالجهاز ، وأمر أهله أن يجهزوه ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها وهي تصلح بعض جهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أي بنية أمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن تجهزوه ؟ قالت : نعم فتجهز ، قال : فأين ترينه يريد ؟ قالت : ما أدري . ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجد والتهيؤ ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى [ نبغتها ] في بلادها ، فتجهز الناس .

وكتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش [ - وفيه قصة ] ذكرناها في سورة الممتحنة - .

ثم استخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين بن خلف الغفاري ، وخرج عامدا إلى مكة لعشر مضين من رمضان سنة ثمان ، فصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصام الناس معه ، حتى إذا كان بالكديد - ماء بين عسفان وأمج - أفطر .

ثم مضى حتى نزل بمر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين ، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد ، فلما نزل بمر الظهران ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يدرون ما هو فاعل ، فخرج في تلك الليلة : أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء ، يتحسسون الأخبار هل يجدون خبرا ؟ وقد قال العباس بن عبد المطلب ليلتئذ : واصباح قريش ، والله لئن [ بغتها ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بلادها فدخل مكة عنوة إنها لهلاك قريش إلى آخر الدهر .

فخرج العباس على بغلة رسول الله وقال : أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابا أو صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأتونه فيستأمنونه قبل أن يدخلها عليهم عنوة .

قال العباس فخرجت وإني - والله - لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء ، وقد خرجوا يتحسسون الخبر ، فسمعت أبا سفيان يقول : والله ما رأيت كالليلة قط نيرانا ، وقال بديل : هذه والله نيران خزاعة [ حمشتها ] الحرب ، فقال أبو سفيان : خزاعة ألأم من ذلك وأذل فعرفت صوته فقلت : يا أبا حنظلة ، فعرف صوتي فقال : يا أبا الفضل ، فقلت : نعم ، فقال : مالك فداك أبي وأمي ؟ قلت : ويحك يا أبا سفيان هذا ، والله ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بما لا قبل لكم به ، بعشرة آلاف من المسلمين ، قال : وما الحيلة ؟ قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأستأمنه فردفني ، ورجع صاحباه فخرجت أركض به بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كلما مررت بنار من نيران المسلمين فنظروا إلي قالوا : هذا عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب ، فقال : من هذا ؟ وقام إلي فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة ، قال : أبو سفيان عدو الله! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد ، ثم اشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركضت البغلة وسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء ، فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل عليه عمر ، فقال : يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد ، فدعني فلأضرب عنقه ، فقلت : يا رسول الله إني قد أجرته ، ثم جلست إلى رسول الله فأخذت برأسه وقلت : والله لا يناجيه الليلة أحد دوني ، فلما أكثر فيه عمر - رضي الله عنه - قلت : مهلا يا عمر ، فوالله ما تصنع هذا إلا أنه رجل من بني عبد مناف ، ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا . قال : مهلا يا عباس ، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم ، [ وذلك لأني أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إسلام الخطاب لو أسلم ] ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اذهب به يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتني به " ، قال : فذهبت إلى رحلي فبات عندي ، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما رآه قال : " ويحك يا أبا سفيان [ ألم يأن ] لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ " قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره فقد أغنى عني شيئا بعد ، قال : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ قال : بأبي أنت وأمي وما أحلمك وأكرمك وأوصلك! أما هذه فإن في النفس منها [ حتى الآن ] شيئا ، قال العباس : قلت له : ويحك ! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، قبل أن يضرب عنقك ، قال : فشهد شهادة الحق وأسلم ، قال العباس : قلت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر ، فاجعل له شيئا ، قال : نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا عباس احبسه ، بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها ، قال : فخرجت به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قال : ومرت به القبائل على راياتها ، كلما مرت قبيلة قال : من هؤلاء يا عباس ؟ قال : أقول : سليم ، قال يقول : مالي ولسليم ، ثم تمر القبيلة فيقول : من هؤلاء ؟ فأقول : مزينة ، فيقول : مالي ولمزينة ، حتى نفذت القبائل لا تمر قبيلة إلا سألني عنها ، فإذا أخبرته يقول : مالي ولبني فلان حتى مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخضراء ، كتيبة رسول الله ، فيها المهاجرون والأنصار ، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد ، قال : سبحان الله من هؤلاء يا عباس ؟ قلت : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المهاجرين والأنصار ، فقال : والله ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة ، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما ، فقال : ويحك! إنها النبوة ، قال : نعم إذا .

فقلت : الحق الآن بقومك فحذرهم ، فخرج سريعا حتى أتى مكة فصرخ في المسجد بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، قالوا : فمه ؟ قال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، قالوا : ويحك وما تغني عنا دارك ؟ قال : ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد .

قال : وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران فأسلما وبايعاه ، فلما بايعاه بعثهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام .

ولما خرج حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - عامدين إلى مكة بعث في إثرهما الزبير وأعطاه رايته وأمره على خيل المهاجرين والأنصار ، وأمره أن يركز رايته بأعلى مكة بالحجون ، وقال : لا تبرح حيث أمرتك أن تركز رايتي حتى آتيك ، ومن ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وضربت هناك قبته ، وأمر خالد بن الوليد فيمن أسلم من قضاعة وبني سليم أن يدخل من أسفل مكة وبها بنو بكر قد استنفرتهم قريش وبنو الحارث بن عبد مناف ومن كان من الأحابيش ، أمرتهم قريش أن يكونوا بأسفل مكة ، وإن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ، وكانوا قد جمعوا أناسا بالخندمة ليقاتلوا ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالد والزبير حين بعثهما : لا تقاتلا إلا من قاتلكم ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كدي ، فقال سعد حين توجه داخلا اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة ، فسمعها رجل من المهاجرين فقال : يا رسول الله ، اسمع ما قال سعد بن عبادة ، وما نأمن أن يكون له في قريش صولة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب : أدركه فخذ الراية منه ، فكن أنت الذي تدخل بها ، فلم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير قتال ، وأما خالد بن الوليد فقدم على قريش وبني بكر والأحابيش بأسفل مكة ، فقاتلهم فهزمهم الله ، ولم يكن بمكة قتال غير ذلك .

وقتل من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر ، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل من جهينة يقال له : سلمة بن الميلاء ، من خيل خالد بن الوليد ، ورجلان يقال لهما : كرز بن جابر [ وخنيس ] بن خالد ، كانا في خيل خالد بن الوليد ، فشذا عنه وسلكا طريقا غير طريقه ، فقتلا جميعا .

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا أحدا إلا من قاتلهم ، إلا [ أنه قد عهد ] في نفر سماهم أمر بقتلهم ، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة . منهم : عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وإنما أمر بقتله لأنه كان قد أسلم فارتد مشركا ، ففر إلى عثمان ، وكان أخاه من الرضاعة ، فغيبه حتى أتى به [ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن اطمأن أهل مكة ، فاستأمن له .

وعبد الله بن خطل ، كان رجلا من بني تميم بن غالب ] ، وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدقا ، وكان له مولى يخدمه وكان مسلما ، فنزل منزلا وأمر المولى أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركا ، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر بقتلهما معه .

والحويرث ، بن [ نقيذ ] بن وهب ، كان ممن يؤذيه بمكة .

ومقيس بن صبابة ، وإنما أمر بقتله ، لقتله الأنصاري الذي قتل أخاه خطئا ورجوعه إلى قريش مرتدا .

وسارة ; مولاة كانت لبعض بني المطلب كانت ممن يؤذيه بمكة .

وعكرمة بن أبي جهل ، فأما عكرمة فهرب إلى اليمن ، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، فاستأمنت له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمنه ، فخرجت في طلبه حتى أتت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم .

وأما عبد الله بن خطل ، فقتله سعد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي ، اشتركا في دمه ، وأما مقيس بن صبابة ، فقتله تميلة بن عبد الله ، رجل من قومه ، وأما قينتا ابن خطل ; فقتلت إحداهما وهربت الأخرى حتى استؤمن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمنها ، وأما سارة فتغيبت حتى استؤمن لها فأمنها ، فعاشت حتى أوطأها رجل من الناس فرسا له في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها ، وأما الحويرث بن نقيذ ، فقتله علي بن أبي طالب .

فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وقف قائما على باب الكعبة وقال : لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا إن كل مأثرة أو دم أو مال في الجاهلية يدعى فهو تحت قدمي هاتين ، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ، يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم وآدم خلق من تراب ، ثم تلا " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " ( الحجرات - 13 ) الآية ، يا أهل مكة ، ماذا ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء فأعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة ، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء .

ثم اجتمع الناس للبيعة ; فجلس لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصفا ، وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس ، فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا ، فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء .

قال عروة بن الزبير : خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن ، فقال عمير بن وهب الجمحي : يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومي ، وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر ، فأمنه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هو آمن ، قال : يا رسول الله أعطني شيئا يعرف به أمانك ، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمامته التي دخل بها مكة ، فخرج بها عمير حتى أدركه بجدة وهو يريد أن يركب البحر فقال : يا صفوان فداك أبي وأمي أذكرك الله في نفسك أن تهلكها ، فهذا أمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جئتك به ، فقال : ويلك اغرب عني فلا تكلمني ، قال : أي صفوان فداك أبي وأمي ، أفضل الناس وأبر الناس ، وأحلم الناس ، وخير الناس ، ابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك . قال : إني أخافه على نفسي ، قال : هو أحلم من ذلك وأكرم ، فرجع به معه حتى وقف به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال صفوان : إن هذا يزعم أنك أمنتني ؟ قال : صدق ، قال فاجعلني في أمري بالخيار شهرين ، قال : أنت فيه بالخيار أربعة أشهر .

قال ابن إسحاق : وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف ، وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من رمضان سنة ثمان ، وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة [ يقصر ] الصلاة .

ثم خرج إلى هوازن وثقيف ، قد نزلوا حنينا .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، أن خزاعة قتلوا رجلا . . . " وقال محمد بن إسماعيل ، قال عبد الله بن رجاء : حدثنا حرب عن يحيى ، حدثنا أبو سلمة " حدثنا أبو هريرة : أنه عام فتح مكة قتلت خزاعة رجلا من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين . ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد من بعدي ، ألا وإنها أحلت لي ساعة من نهار ، ألا وإنها ساعتي هذه ، حرام لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها ، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظر إما يؤدى وإما أن يقاد فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال : اكتب لي يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اكتبوا لأبي شاه ثم قام رجل من قريش فقال : يا رسول الله إلا الإذخر فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إلا الإذخر " .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك ، عن أبي النضر - مولى عمر بن عبيد الله - أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول : ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح ، فوجدته يغتسل ، وفاطمة ابنته تستره بثوب ، قالت : فسلمت ، فقال : من هذه ؟ فقلت : أنا أم هانئ بنت أبي طالب ، قال : مرحبا بأم هانئ ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد ، ثم انصرف فقلت له : يا رسول الله ، زعم ابن أمي ، علي بن أبي طالب ، أنه قاتل رجلا أجرته ، فلان بن هبيرة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ، وذلك ضحى .

قوله - عز وجل - : ( إذا جاء نصر الله ) إذا جاءك نصر الله يا محمد على من عاداك وهم قريش ، ( والفتح ) فتح مكة .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022