تفسير سورة النصر
مقدمة وتمهيد
1- سورة «النصر» تسمى- أيضا- سورة: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وتسمى سورة «التوديع» وهي من السور المدنية، قيل: نزلت عند منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة خيبر، وقيل: نزلت بمنى في أيام التشريق، والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وقيل نزلت عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين.
وكان نزولها بعد سورة «الحشر» وقبل سورة «النور» ، وهي ثلاث آيات.
2- وقد تضافرت الأخبار رواية وتأويلا، على أن هذه السورة تومئ إلى قرب نهاية أجل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر الإمام ابن كثير جملة من الآثار في هذا المعنى منها ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس قال: لما نزلت سورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وقال: «قد نعيت إلىّ نفسي» فبكت ثم ضحكت، وقالت: أخبرنى أنه نعيت إليه نفسه فبكيت، ثم قال: «اصبري فإنك أول أهلى لحاقا بي» فضحكت.
وأخرج البخاري عن ابن عباس، قال: كان عمر- رضى الله عنه- يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم قد وجد في نفسه- أى: تغير وغضب- وقال: لماذا يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله، فقال عمر: إنه ممن علمتم. فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم ... فقال: ما تقولون في قوله- تعالى- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره، إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فقال ... عمر: أكذلك تقول بن عباس؟ فقلت: لا، فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له ... فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أنه قال: آخر سورة نزلت من القرآن هذه السورة .
3- والسورة الكريمة وعد منه- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم بالنصر والفتح وبشارة بدخول أفواج الناس في دين الله، وأمر منه- سبحانه- بالمواظبة على حمده واستغفاره.
النصر : التغلب على العدو ، والإِعانة على بلوغ الغاية ، ومنه قولهم : قد نصر الغيث الأرض ، أى : أعان على إظهار نباتها .
والمراد به هنا : إعانة الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه ، حتى حقق له النصر عليهم .
والفتح : يطلق على فتح البلاد عَنْوَةً والتغلب على أهلها ، ويطلق على الفصل والحكم بين الناس ، ومنه قوله - تعالى - : ( رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين ) والمراد به : هنا فتح مكة . وما ترتب عليه من إعزاز الدين ، وإظهار كلمة الحق .