قوله عز وجل : ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) قيل : جاهدوا في سبيل الله أعداء الله " حق جهاده " هو استفراغ الطاقة فيه ، قاله ابن عباس : وعنه أيضا أنه قال : لا تخافوا في الله لومة لائم فهو حق الجهاد ، كما قال تعالى : ( يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) ( المائدة : 54 ) .
قال الضحاك ومقاتل : اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته .
وقال مقاتل بن سليمان : نسخها قوله ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ( التغابن : 16 ) ، وقال أكثر المفسرين : " حق الجهاد " : أن تكون نيته خالصة صادقة لله عز وجل . وقال السدي : هو أن يطاع فلا يعصى .
وقال عبد الله بن المبارك : هو مجاهدة النفس والهوى ، وهو الجهاد الأكبر ، وهو حق الجهاد . وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك قال : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " وأراد بالجهاد الأصغر الجهاد مع الكفار ، وبالجهاد الأكبر الجهاد مع النفس .
( هو اجتباكم ) أي : اختاركم لدينه ، ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ضيق ، معناه : أن المؤمن لا يبتلى بشيء من الذنوب إلا جعل الله له منه مخرجا ، بعضها بالتوبة ، وبعضها برد المظالم والقصاص ، وبعضها بأنواع الكفارات ، فليس في دين الإسلام ذنب لا يجد العبد سبيلا إلى الخلاص من العقاب فيه .
وقيل : من ضيق في أوقات فروضكم مثل هلال شهر رمضان والفطر ووقت الحج إذا التبس ذلك عليكم ، وسع ذلك عليكم حتى تتيقنوا .
وقال مقاتل : يعني الرخص عند الضرورات ، كقصر الصلاة في السفر ، والتيمم ، وأكل الميتة عند الضرورة ، والإفطار بالسفر والمرض ، والصلاة قاعدا عند العجز . وهو قول الكلبي .
وروي عن ابن عباس أنه قال : الحرج ما كان على بني إسرائيل من الآصال التي كانت عليهم ، وضعها الله عن هذه الأمة .
( ملة أبيكم إبراهيم ) أي : كلمة أبيكم ، نصب بنزع حرف الصفة . وقيل : نصب على الإغراء ، أي : اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم ، [ وإنما أمرنا باتباع ملة إبراهيم ] لأنها داخلة في ملة محمد صلى الله عليه وسلم .
فإن قيل : فما وجه قوله : ( ملة أبيكم ) وليس كل المسلمين يرجع نسبهم إلى إبراهيم؟ .
قيل : خاطب به العرب وهم كانوا من نسل إبراهيم . وقيل : خاطب به جميع المسلمين ، وإبراهيم أب لهم ، على معنى وجوب احترامه وحفظ حقه كما يجب احترام الأب ، وهو كقوله تعالى : ( وأزواجه أمهاتهم ) ( الأحزاب : 6 ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا لكم مثل الوالد [ لوالده ] " .
( هو سماكم ) يعني أن الله تعالى سماكم ( المسلمين من قبل ) يعني من قبل نزول القرآن في الكتب المتقدمة . ( وفي هذا ) أي : في الكتاب ، هذا قول أكثر المفسرين . وقال ابن زيد : " هو " يرجع إلى إبراهيم أي أن إبراهيم سماكم المسلمين في أيامه ، من قبل هذا الوقت ، وفي هذا الوقت ، وهو قوله : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) ( البقرة : 127 ) ، ( ليكون الرسول شهيدا عليكم ) يوم القيامة أن قد بلغكم ، ( وتكونوا ) أنتم ، ( شهداء على الناس ) أن رسلهم قد بلغتهم ، ( فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله ) أي : ثقوا بالله وتوكلوا عليه . قال الحسن : تمسكوا بدين الله . وروي عن ابن عباس قال : سلوا ربكم أن يعصمكم من كل ما يكره . وقيل : معناه ادعوه ليثبتكم على دينه . وقيل : الاعتصام بالله هو التمسك بالكتاب والسنة ، ( هو مولاكم ) [ وليكم ] وناصركم وحافظكم ، ( فنعم المولى ونعم النصير ) الناصر لكم .