قوله - عز وجل - : ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين ) يا محمد ، ( إلا إنهم ليأكلون الطعام ) روى الضحاك عن ابن عباس قال : لما عير المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، أنزل الله - عز وجل - هذه الآية . يعني : ما أنا إلا رسول وما كنت بدعا من الرسل ، وهم كانوا بشرا يأكلون الطعام ، ( ويمشون في الأسواق ) وقيل : معناه وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا قيل لهم مثل هذا أنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق كما قال في موضع آخر : ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ( فصلت - 43 ) .
( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ) أي بلية ، فالغني فتنة للفقير ، يقول الفقير : ما لي لم أكن مثله ؟ والصحيح فتنة للمريض ، والشريف فتنة للوضيع . وقال ابن عباس : أي جعلت بعضكم بلاء لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم ، وترون من خلافهم ، وتتبعوا الهدى . وقيل : نزلت في ابتلاء الشريف بالوضيع; وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم فرأى الوضيع قد أسلم قبله أنف ، وقال : أسلم بعده فيكون له علي السابقة والفضل ؟ ! فيقيم على كفره ويمتنع من الإسلام ، فذلك افتتان بعضهم ببعض ، وهذا قول الكلبي وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل ، والوليد بن عقبة ، والعاص بن وائل ، والنضر بن الحارث; وذلك أنهم لما رأوا أبا ذر ، وابن مسعود ، وعمارا ، وبلالا وصهيبا ، وعامر بن فهيرة ، وذويهم ، قالوا : نسلم فنكون مثل هؤلاء ؟ . وقال : نزلت في ابتلاء فقراء المؤمنين بالمستهزئين من قريش ، كانوا يقولون : انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا من موالينا وأراذلنا ، فقال الله تعالى لهؤلاء المؤمنين : ( أتصبرون ) يعني على هذه الحالة من الفقر والشدة والأذى .
( وكان ربك بصيرا ) بمن صبر وبمن جزع . أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، حدثنا زكريا بن يحيى المروزي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد عن الأعرج ، عن أبي هريرة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والجسم فلينظر إلى من دونه في المال والجسم " .