تفسير البغوي - Baghaway   سورة  النمل الأية 44


سورة Sura   النمل   An-Naml
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
الصفحة Page 380
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)

قوله - عز وجل - : ( قيل لها ادخلي الصرح ) الآية ، وذلك أن سليمان أراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفها ، لما قالت الشياطين : إن رجليها كحافر الحمار ، وهي شعراء الساقين ، أمر الشياطين فبنوا له صرحا أي : قصرا من زجاج ، وقيل بيتا من زجاج كأنه الماء بياضا ، وقيل : الصرح صحن الدار ، وأجرى تحته الماء ، وألقى فيه كل شيء من دواب البحر السمك والضفادع وغيرهما ، ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس . وقيل : اتخذ صحنا من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفادع ، فكان الواحد إذا رآه ظنه ماء . وقيل : إنما بنى الصرح ليختبر فهمها كما فعلت هي بالوصفاء والوصائف فلما جلس على السرير دعا بلقيس ، فلما جاءت قيل لها ادخلي الصرح .

( فلما رأته حسبته لجة ) وهي معظم الماء ، ( وكشفت عن ساقيها ) لتخوضه إلى سليمان ، فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس قدما وساقا إلا أنها كانت شعراء الساقين ، فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنه وناداها ( قال إنه صرح ممرد ) مملس مستو ، ( من قوارير ) وليس بماء ، ثم إن سليمان دعاها إلى الإسلام ، وكانت قد رأت حال العرش والصرح فأجابت ، و ( قالت رب إني ظلمت نفسي ) بالكفر . وقال مقاتل : لما رأت السرير والصرح علمت أن ملك سليمان من الله فقالت : رب إني ظلمت نفسي بعبادة غيرك ، ( وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) أي : أخلصت له التوحيد . وقيل : إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة ، قالت في نفسها : إن سليمان يريد أن يغرقني ، وكان القتل علي أهون من هذا ، فقولها : " ظلمت نفسي " تعني بذلك الظن .

واختلفوا في أمرها بعد إسلامها ، قال عون بن عبد الله : سأل رجل عبد الله بن عتبة : هل تزوجها سليمان ؟ قال : انتهى أمرها إلى قولها : أسلمت مع سليمان لله رب العالمين ، يعني : لا علم لنا وراء ذلك . وقال بعضهم : تزوجها ، ولما أراد أن يتزوجها كره ما رأى من كثرة شعر ساقيها ، فسأل الإنس : ما يذهب هذا ؟ قالوا : الموسى ، فقالت المرأة : لم تمسني حديدة قط ، فكره سليمان الموسى ، وقال : إنها تقطع ساقيها ، فسأل الجن فقالوا : لا ندري ، ثم سأل الشياطين فقالوا : إنا نحتال لك حيلة حتى تكون كالفضة البيضاء ، فاتخذوا النورة والحمام ، فكانت النورة والحمامات من يومئذ فلما تزوجها سليمان أحبها حبا شديدا ، وأقرها على ملكها ، وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا ، وهي : سلحين وبينون وعمدان . ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة بعد أن ردها إلى ملكها ويقيم عندها ثلاثة أيام ، يبتكر من الشام إلى اليمن ، ومن اليمن إلى الشام ، وولدت له فيما ذكر وروي عن وهب قال : زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان : اختاري رجلا من قومك أزوجكه ، قالت : ومثلي يا نبي الله تنكح الرجال وقد كان لي في قومي من الملك والسلطان ما كان ؟ قال : نعم ، إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك ، ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله لك ، فقالت : زوجني إن كان لا بد من ذلك ذا تبع ملك همذان فزوجه إياها ، ثم ردها إلى اليمن ، وسلط زوجها ذا تبع على اليمن ، ودعا زوبعة أمير جن اليمن ، فقال : اعمل لذي تبع ما استعملك فيه ، فلم يزل بها ملكا يعمل له فيها ما أراد حتى مات سليمان ، فلما أن حال الحول ، وتبينت الجن موت سليمان أقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى إذا كان في جوف اليمن صرخ بأعلى صوته : يا معشر الجن إن الملك سليمان قد مات ، فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا ، وانقضى ملك ذي تبع ، وملك بلقيس مع ملك سليمان . وقيل : إن الملك وصل إلى سليمان وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022