( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ) وذلك أن الكفار أرادوا أن يصيبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعين فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه .
وقيل : كانت العين في بني أسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول : يا جارية خذي المكتل والدراهم فأتينا بشيء من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر .
وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثا ثم يرفع جانب خبائه فتمر به الإبل فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة وعدة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعين ويفعل به مثل ذلك ، فعصم الله نبيه وأنزل : " وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم " أي ويكاد ودخلت اللام في " ليزلقونك " لمكان " إن " وقرأ أهل المدينة : " ليزلقونك " بفتح الياء ، والآخرون بضمها وهما لغتان ، يقال : زلقه يزلقه زلقا وأزلقه يزلقه إزلاقا .
قال ابن عباس : معناه : ينفذونك ، ويقال : زلق السهم : إذا أنفذ .
قال السدي : يصيبونك بعيونهم . قال النضر بن شميل : يعينونك . وقيل : يزيلونك .
وقال الكلبي : يصرعونك . وقيل : يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة .
قال ابن قتيبة : ليس يريد أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه ، وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء ، يكاد يسقطك .
وقال الزجاج : يعني من شدة عداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك . وهذا مستعمل في [ كلام العرب ] يقول القائل : نظر إلي نظرا يكاد يصرعني ، ونظرا يكاد يأكلني . يدل على صحة هذا المعنى : أنه قرن هذا النظر بسماع القرآن ، وهو قوله : ( لما سمعوا الذكر ) وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهية فيحدون إليه النظر بالبغضاء ( ويقولون إنه لمجنون ) أي ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن .