تفسير ابن كثير - Ibn-Katheer   سورة  الإسراء الأية 1


سورة Sura   الإسراء   Al-Israa
الإسراء Al-Israa
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
الصفحة Page 282
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)

[ بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ] تفسير سورة الإسراء

وهي مكية

قال الإمام [ الحافظ المتقن أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ] البخاري : حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد ، سمعت ابن مسعود - رضي الله عنه - قال في بني إسرائيل والكهف ومريم : إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا حماد بن زيد ، عن مروان ، عن أبي لبابة ، سمعت عائشة تقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول : ما يريد أن يفطر ، ويفطر حتى نقول : ما يريد أن يصوم ، وكان يقرأ كل ليلة " بني إسرائيل " ، و " الزمر " .

( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير )

يمجد تعالى نفسه ، ويعظم شأنه ، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه ، فلا إله غيره ( الذي أسرى بعبده ) يعني محمدا ، صلوات الله وسلامه عليه ) ليلا ) أي في جنح الليل ( من المسجد الحرام ) وهو مسجد مكة ( إلى المسجد الأقصى ) وهو بيت المقدس الذي هو إيلياء ، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل ؛ ولهذا جمعوا له هنالك كلهم ، فأمهم في محلتهم ، ودارهم ، فدل على أنه هو الإمام الأعظم ، والرئيس المقدم ، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين .

وقوله : ( الذي باركنا حوله ) أي : في الزروع والثمار ) لنريه ) أي : محمدا ) من آياتنا ) أي : العظام كما قال تعالى : ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) [ النجم : 18 ] .

وسنذكر من ذلك ما وردت به السنة من الأحاديث عنه ، صلوات الله عليه وسلامه .

وقوله : ( إنه هو السميع البصير ) أي : السميع لأقوال عباده ، مؤمنهم وكافرهم ، مصدقهم ومكذبهم ، البصير بهم فيعطي كلا ما يستحقه في الدنيا والآخرة .

ذكر الأحاديث الواردة في الإسراء

رواية أنس بن مالك :

قال الإمام أبو عبد الله البخاري : حدثني عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا سليمان - هو ابن بلال - عن شريك بن عبد الله قال : سمعت أنس بن مالك يقول ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة : إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم : أيهم هو ؟ فقال أوسطهم : هو خيرهم ، فقال آخرهم : خذوا خيرهم . فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه - وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم - فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم ، فتولاه منهم جبريل ، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه ، فغسله من ماء زمزم ، بيده حتى أنقى جوفه ، ثم أتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة ، فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه . ثم عرج به إلى السماء الدنيا ، فضرب بابا من أبوابها ، فناداه أهل السماء : من هذا ؟ فقال : جبريل . قالوا : ومن معك ؟ قال : معي محمد . قالوا : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به وأهلا به ، يستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم .

ووجد في السماء الدنيا آدم ، فقال له جبريل : هذا أبوك آدم فسلم عليه ، فسلم عليه ، ورد عليه آدم فقال : مرحبا وأهلا بابني ، نعم الابن أنت ، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال : " ما هذان النهران يا جبريل ؟ " قال : هذا النيل والفرات عنصرهما ، ثم مضى به في السماء ، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فضرب يده فإذا هو مسك أذفر فقال : " ما هذا يا جبريل ؟ " قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك .

ثم عرج إلى السماء الثانية ، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى : من هذا ؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا وأهلا وسهلا .

ثم عرج به إلى السماء الثالثة ، فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية . ثم عرج به إلى السماء الرابعة ، فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى السماء الخامسة ، فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى السماء السادسة ، فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى السماء السابعة ، فقالوا له مثل ذلك . كل سماء فيها أنبياء قد سماهم ، قد وعيت منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة ، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه ، وإبراهيم في السادسة ، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله . فقال موسى : " رب لم أظن أن يرفع علي أحد " ثم علا به فوق ذلك ، بما لا يعلمه إلا الله - عز وجل - حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى ، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى الله إليه فيما يوحي خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة . ثم هبط به حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال : " يا محمد ، ماذا عهد إليك ربك ؟ " قال : " عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة " قال : " إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم " . فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك ، فأشار إليه جبريل : أن نعم ، إن شئت . فعلا به إلى الجبار تعالى ، فقال وهو في مكانه : " يا رب ، خفف عنا ، فإن أمتي لا تستطيع هذا " فوضع عنه عشر صلوات ، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه ، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات . ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال : " يا محمد ، والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا ، فضعفوا فتركوه ، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا ، فارجع فليخفف عنك ربك " كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ، ولا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة فقال : " يا رب ، إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا " فقال : الجبار : " يا محمد ، قال : " لبيك وسعديك " قال : إنه لا يبدل القول لدي ، كما فرضت عليك في أم الكتاب : " كل حسنة بعشر أمثالها ، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك " ، فرجع إلى موسى فقال : " كيف فعلت ؟ " فقال : " خفف عنا ، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها " قال : موسى : " قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه ، فارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا موسى قد - والله - استحييت من ربي مما أختلف إليه " قال : " فاهبط باسم الله " ، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام .

هكذا ساقه البخاري في " كتاب التوحيد " ، ورواه في " صفة النبي صلى الله عليه وسلم " ، عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر عبد الحميد ، عن سليمان بن بلال .

ورواه مسلم ، عن هارون بن سعيد ، عن ابن وهب ، عن سليمان قال : " فزاد ونقص ، وقدم وأخر " .

وهو كما قاله مسلم ، رحمه الله ، فإن شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث ، وساء حفظه ولم يضبطه ، كما سيأتي بيانه في الأحاديث الأخر .

ومنهم من يجعل هذا مناما توطئة لما وقع بعد ذلك ، والله أعلم .

[ وقال ] البيهقي : في حديث " شريك " زيادة تفرد بها ، على مذهب من زعم أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، يعني قوله : " ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى " قال : وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل - أصح .

وهذا الذي قاله البيهقي هو الحق في هذه المسألة ، فإن أبا ذر قال : يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ قال : " نور أنى أراه " . وفي رواية " رأيت نورا " . أخرجه مسلم ، رحمه الله .

وقوله : ( ثم دنا فتدلى ) [ النجم : 8 ] ، إنما هو جبريل ، عليه السلام ، كما ثبت ذلك في الصحيحين ، عن عائشة أم المؤمنين ، وعن ابن مسعود ، وكذلك هو في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنهم ، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس ، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت . فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن . قال جبريل : أصبت الفطرة " قال : " ثم عرج بي إلى السماء الدنيا ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل . فقيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ [ قال : قد أرسل إليه ] . ففتح لنا ، فإذا أنا بآدم ، فرحب ودعا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء الثانية ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل . فقيل : ومن معك ؟ قال : محمد . فقيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : قد أرسل إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى ، فرحبا بي ودعوا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ فقال : جبريل . فقيل : ومن معك ؟ فقال : محمد . فقيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : قد أرسل إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا ب يوسف ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، فرحب ودعا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ فقال : جبريل . فقيل : ومن معك ؟ قال : محمد . فقيل : قد أرسل إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح الباب ، فإذا أنا ب إدريس ، فرحب ودعا لي بخير . ثم قال : يقول الله : ( ورفعناه مكانا عليا ) [ مريم : 57 ] .

ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ فقال : جبريل . فقيل : [ و ] من معك ؟ فقال : محمد . فقيل : قد أرسل إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا ب هارون ، فرحب ودعا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء السادسة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ فقال : جبريل . قيل ومن معك ؟ قال : محمد . فقيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا ب موسى فرحب ودعا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . فقيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا ب إبراهيم ، وإذا هو مستند إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه .

ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى ، فإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال . فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت ، فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها . قال : " فأوحى الله إلي ما أوحى ، وفرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى " . قال : " ما فرض ربك على أمتك ؟ قال : " قلت : خمسين صلاة في كل يوم وليلة " . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك ، وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم " . قال : " فرجعت إلى ربي ، فقلت : أي رب ، خفف عن أمتي ، فحط عني خمسا . فرجعت إلى موسى فقال : ما فعلت ؟ قلت : قد حط عني خمسا " . قال : " إن أمتك لا تطيق ذلك ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك " قال : " فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى ، ويحط عني خمسا خمسا حتى قال : يا محمد ، هي خمس صلوات في كل يوم وليلة ، بكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت [ له ] حسنة ، فإن عملها كتبت عشرا . ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة . فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك " . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت " .

ورواه مسلم عن شيبان بن فروخ ، عن حماد بن سلمة بهذا السياق ، وهو أصح من سياق شريك .

قال البيهقي : وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به - عليه الصلاة والسلام - من مكة إلى بيت المقدس . وهذا الذي قاله هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه ، فاستصعب عليه ، فقال له جبريل : ما يحملك على هذا ؟ فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه . قال : فارفض عرقا .

ورواه الترمذي عن إسحاق بن منصور ، عن عبد الرزاق ، وقال : غريب لا نعرفه إلا من حديثه .

وقال أحمد أيضا : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثني راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما عرج بي ربي - عز وجل - مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم " .

وأخرجه أبو داود ، من حديث صفوان بن عمرو ، به . ومن وجه آخر ليس فيه أنس ، فالله أعلم .

وقال أيضا : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مررت ليلة أسري بي على موسى ، عليه السلام ، قائما يصلي في قبره " .

ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ، عن سليمان بن طرخان التيمي وثابت البناني ، كلاهما عن أنس .

قال النسائي : وهذا أصح من رواية من قال : سليمان عن ثابت ، عن أنس .

وقال [ الحافظ ] أبو يعلى الموصلي في مسنده : حدثنا وهب بن بقية ، حدثنا خالد ، عن التيمي ، عن أنس قال : أخبرني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على موسى وهو يصلي في قبره .

وقال أبو يعلى : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، حدثنا معتمر ، عن أبيه قال : سمعت أنسا : أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر بموسى وهو يصلي في قبره - قال أنس : ذكر أنه حمل على البراق - فأوثق الدابة - أو قال : الفرس - قال أبو بكر : صفها لي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر كلمة فقال : أشهد أنك رسول الله ، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - قد رآها .

وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزار في مسنده : حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا الحارث بن عبيد ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل عليه السلام ، فوكز بين كتفي ، فقمت إلى شجرة فيها كوكري الطير ، فقعد في أحدهما وقعدت في الآخر فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين وأنا أقلب طرفي ، ولو شئت أن أمس السماء لمسست ، فالتفت إلى جبريل ، عليه السلام ، كأنه حلس لاط فعرفت فضل علمه بالله علي ، وفتح لي باب من أبواب السماء فرأيت النور الأعظم ، وإذا دون الحجاب رفرف الدر والياقوت ، وأوحي إلي ما شاء الله أن يوحي " ثم قال : هذا الحديث لا نعلم رواه إلا أنس ، ولا نعلم رواه عن أبي عمران الجوني إلا الحارث بن عبيد ، وكان رجلا مشهورا من أهل البصرة .

ورواه الحافظ البيهقي في " الدلائل " ، عن أبي بكر القاضي ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن دحيم ، عن محمد بن الحسين بن أبي الحنين ، عن سعيد بن منصور ، فذكر بسنده مثله ، ثم قال : وقال غيره في هذا الحديث في آخره : " ولط دوني - أو قال : دون الحجاب - رفرف الدر والياقوت " . ثم قال : هكذا رواه الحارث بن عبيد . ورواه حماد بن سلمة ، عن أبي عمران الجوني ، عن محمد بن عمير بن عطارد : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ملإ من أصحابه ، فجاءه جبريل ، فنكت في ظهره فذهب به إلى الشجرة وفيها مثل وكري الطير ، فقعد في أحدهما وقعد جبريل في الآخر ، فنشأت بنا حتى بلغت الأفق ، فلو بسطت يدي إلى السماء لنلتها ، فدلي بسبب وهبط النور ، فوقع جبريل مغشيا عليه كأنه حلس ، فعرفت فضل خشيته على خشيتي . فأوحى إلي : نبيا ملكا أو نبيا عبدا ؟ وإلى الجنة ما أنت ؟ فأومأ إلي جبريل وهو مضطجع : أن تواضع . قال : قلت : لا . بل نبيا عبدا .

قلت : وهذا إن صح يقتضي أنها واقعة غير ليلة الإسراء ، فإنه لم يذكر فيها بيت المقدس ، ولا الصعود إلى السماء ، فهي كائنة غير ما نحن فيه ، والله أعلم .

وقال البزار أيضا : حدثنا عمرو بن عيسى ، حدثنا أبو بحر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس - رضي الله عنه - أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، عز وجل ، هذا غريب .

وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا يونس ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، عن أنس بن مالك قال : لما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق فكأنها أمرت ذنبها ، فقال لها جبريل : مه يا براق ، فوالله إن ركبك مثله . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو بعجوز على جانب الطريق ، فقال : " ما هذه يا جبريل ؟ " قال : سر يا محمد . قال : فسار ما شاء الله أن يسير ، فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول : هلم يا محمد فقال له جبريل : سر يا محمد فسار ما شاء الله أن يسير ، قال : فلقيه خلق من الخلق فقالوا : السلام عليك يا أول ، السلام عليك يا آخر ، السلام عليك يا حاشر ، فقال له جبريل : اردد السلام يا محمد . فرد السلام ، ثم لقيه الثانية فقال له مثل مقالته الأولى ، ثم الثالثة كذلك ، حتى انتهى إلى بيت المقدس . فعرض عليه الماء والخمر واللبن ، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن ، فقال له جبريل : أصبت الفطرة ، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك ، ولو شربت الخمر لغويت ولغوت أمتك . ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء ، عليهم السلام ، فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة . ثم قال له جبريل : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق ، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز ، وأما الذي أراد أن تميل إليه ، فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه ، وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى ، عليهم الصلاة والسلام .

وهكذا رواه الحافظ البيهقي في " دلائل النبوة " من حديث ابن وهب ، وفي بعض ألفاظه نكارة وغرابة .

طريق أخرى عن أنس بن مالك :

وفيها غرابة ونكارة جدا ، وهي في سنن النسائي المجتبى ، ولم أرها في " الكبير " قال : أخبرنا عمرو بن هشام ، حدثنا مخلد - هو ابن الحسين - عن سعيد بن عبد العزيز ، حدثنا يزيد بن أبي مالك ، حدثنا أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل ، خطوها عند منتهى طرفها ، فركبت ومعي جبريل عليه السلام فسرت فقال : انزل فصل . فصليت ، فقال : أتدري أين صليت ؟ [ صليت بطيبة وإليها المهاجر ، ثم قال : انزل فصل . فصليت ، فقال : أتدري أين صليت ؟ ] صليت بطور سيناء ، حيث كلم الله موسى ، ثم قال : انزل فصل . فصليت ، فقال : أتدري أين صليت . صليت ببيت لحم ، حيث ولد عيسى ، عليه السلام ، ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام ، فقدمني جبريل حتى أممتهم [ ثم صعد بي إلى السماء الدنيا ، فإذا فيها آدم ، عليه السلام ] ثم صعد بي إلى السماء الثانية ، فإذا فيها ابنا الخالة : عيسى ويحيى ، عليهما السلام ، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة ، فإذا فيها يوسف عليه السلام . ثم صعد بي إلى السماء الرابعة ، فإذا فيها هارون ، عليه السلام . ثم صعد بي إلى السماء الخامسة ، فإذا فيها إدريس عليه السلام . ثم صعد بي إلى السماء السادسة ، فإذا فيها موسى ، عليه السلام . ثم صعد بي إلى السماء السابعة ، فإذا فيها إبراهيم عليه السلام ، ثم صعد بي فوق سبع سموات وأتيت سدرة المنتهى ، فغشيتني ضبابة فخررت ساجدا فقيل لي : إني يوم خلقت السموات والأرض ، فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة ، فقم بها أنت وأمتك [ فرجعت إلى إبراهيم فلم يسألني ، عن شيء . ثم أتيت موسى فقال : كم فرض الله عليك وعلى أمتك ؟ ] قلت : خمسين صلاة . قال : فإنك لا تستطيع أن تقوم بها ، لا أنت ولا أمتك ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فرجعت إلى ربي فخفف عني عشرا . ثم أتيت موسى فأمرني بالرجوع ، فرجعت فخفف عني عشرا ، ثم ردت إلى خمس صلوات ، قال : فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإنه فرض على بني إسرائيل صلاتين ، فما قاموا بهما . فرجعت إلى ربي - عز وجل - فسألته التخفيف ، فقال : إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة ، فخمس بخمسين ، فقم بها أنت وأمتك . فعرفت أنها من الله عز وجل صرى فرجعت إلى موسى ، عليه السلام فقال : ارجع ، فعرفت أنها من الله صرى - يقول : أي حتم - فلم أرجع " .

طريق أخرى :

وقال ابن أبي حاتم : حدثني أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، أتاه جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل ، حمله جبريل عليها ، ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها . فلما بلغ بيت المقدس وبلغ المكان الذي يقال له : " باب محمد صلى الله عليه وسلم " أتى إلى الحجر الذي ثمة ، فغمزه جبريل بأصبعه فثقبه ، ثم ربطها . ثم صعد فلما استويا في صرحة المسجد ، قال جبريل : يا محمد ، هل سألت ربك أن يريك الحور العين ؟ فقال : نعم . فقال : فانطلق إلى أولئك النسوة ، فسلم عليهن وهن جلوس عن يسار الصخرة ، قال : فأتيتهن فسلمت عليهن ، فرددن علي السلام ، فقلت : من أنتن ؟ فقلن : نحن خيرات حسان ، نساء قوم أبرار ، نقوا فلم يدرنوا ، وأقاموا فلم يظعنوا ، وخلدوا فلم يموتوا " . قال : " ثم انصرفت ، فلم ألبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير ، ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة " . قال : " فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا ، فأخذ بيدي جبريل عليه السلام ، فقدمني فصليت بهم . فلما انصرفت قال جبريل : يا محمد ، أتدري من صلى خلفك ؟ " قال : " قلت : لا . قال : صلى خلفك كل نبي بعثه الله عز وجل " .

قال : " ثم أخذ بيدي جبريل فصعد بي إلى السماء ، فلما انتهينا إلى الباب استفتح فقالوا : من أنت ؟ قال : أنا جبريل ، قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم " . قال : " ففتحوا له وقالوا : مرحبا بك وبمن معك " . قال : " فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم ، فقال لي جبريل : يا محمد ، ألا تسلم على أبيك آدم ؟ " قال : " قلت : بلى . فأتيته فسلمت عليه ، فرد علي وقال : مرحبا بابني والنبي الصالح " . قال : " ثم عرج بي إلى السماء الثانية فاستفتح ، قالوا : من أنت ؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم " : " ففتحوا له وقالوا : مرحبا بك وبمن معك ، فإذا فيها عيسى وابن خالته يحيى عليهما السلام . قال : " ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، قالوا : من أنت ؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم " . ففتحوا وقالوا : مرحبا بك وبمن معك ، فإذا فيها يوسف ، عليه السلام ، ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح ، قالوا : من أنت ؟ قال : جبريل ؟ قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم . ففتحوا وقالوا : مرحبا بك وبمن معك . فإذا فيها إدريس عليه السلام " . قال : " فعرج بي إلى السماء الخامسة ، فاستفتح ، قالوا : من أنت ؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم . قال : ففتحوا وقالوا : مرحبا بك وبمن معك فإذا فيها هارون ، عليه السلام " . قال : " ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح ، قالوا : من أنت ؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم . ففتحوا وقالوا : مرحبا بك وبمن معك ، فإذا فيها موسى ، عليه السلام . ثم عرج بي إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل ، فقالوا من أنت ؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . ففتحوا له وقالوا : مرحبا بك وبمن معك ، فإذا فيها إبراهيم ، عليه السلام . فقال جبريل : يا محمد ، ألا تسلم على أبيك إبراهيم ؟ قال : قلت : بلى . فأتيته فسلمت عليه ، فرد علي السلام وقال : مرحبا بك بابني والنبي الصالح .

ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة ، حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ والزبرجد وعليه طير خضر أنعم طير رأيت . فقلت : يا جبريل ، إن هذا الطير لناعم قال : يا محمد ، آكله أنعم منه ثم قال : يا محمد ، أتدري : أي نهر هذا ؟ قال : " قلت : لا . قال : هذا الكوثر الذي أعطاك الله إياه . فإذا فيه آنية الذهب والفضة ، يجري على رصراض من الياقوت والزمرد ، ماؤه أشد بياضا من اللبن " قال : " فأخذت منه آنية من الذهب ، فاغترفت من ذلك الماء فشربت ، فإذا هو أحلى من العسل ، وأشد رائحة من المسك . ثم انطلق بي حتى انتهيت إلى الشجرة ، فغشيتني سحابة فيها من كل لون ، فرفضني جبريل ، وخررت ساجدا لله - عز وجل - فقال الله لي : يا محمد ، إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة ، فقم بها أنت وأمتك " . قال : " ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل ، فانصرفت سريعا فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئا ، ثم أتيت على موسى فقال : ما صنعت يا محمد ؟ فقلت : فرض ربي علي وعلى أمتي خمسين صلاة . قال : فلن تستطيعها أنت ولا أمتك ، فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك . فرجعت سريعا حتى انتهيت إلى الشجرة ، فغشيتني السحابة ، ورفضني جبريل وخررت ساجدا وقلت : رب ، إنك فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة ، ولن أستطيعها أنا ولا أمتي ، فخفف عنا . قال : قد وضعت عنكم عشرا . قال : ثم انجلت عني السحابة ، وأخذ بيدي جبريل وانصرفت سريعا حتى أتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئا ، ثم أتيت على موسى ، فقال لي : ما صنعت يا محمد ؟ فقلت : وضع ربي عني عشرا فقال : أربعون صلاة ! لن تستطيعها أنت ولا أمتك ، فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم - فذكر الحديث كذلك إلى خمس صلوات ، وخمس بخمسين ثم أمره موسى أن يرجع فيسأل التخفيف ، فقلت : " إني قد استحييت منه تعالى " .

قال : ثم انحدر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : " ما لي لم آت على سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إلي ، غير رجل واحد ، فسلمت عليه فرد علي السلام فرحب بي ولم يضحك إلي . قال : يا محمد ، ذاك مالك خازن جهنم لم يضحك منذ خلق ولو ضحك إلى أحد لضحك إليك " .

قال : ثم ركب منصرفا ، فبينا هو في بعض طريقه مر بعير لقريش تحمل طعاما ، منها جمل عليه غرارتان : غرارة سوداء ، وغرارة بيضاء ، فلما حاذى بالعير نفرت منه واستدارت ، وصرع ذلك البعير وانكسر .

ثم إنه مضى فأصبح ، فأخبر عما كان ، فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا : يا أبا بكر ، هل لك في صاحبك ؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ، ثم رجع في ليلته . فقال أبو بكر ، رضي الله عنه : إن كان قاله فقد صدق ، وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا ، نصدقه على خبر السماء .

فقال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما علامة ما تقول ؟ قال : " مررت بعير لقريش ، وهي في مكان كذا وكذا ، فنفرت العير منا واستدارت ، [ وفيها بعير عليه ] غرارتان : غرارة سوداء ، وغرارة بيضاء ، فصرع فانكسر " .

فلما قدمت العير سألوهم ، فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك سمي أبو بكر الصديق .

وسألوه وقالوا : هل كان معك فيمن حضر موسى وعيسى ؟ قال : " نعم " . قالوا : فصفهم . قال : " نعم " ؛ أما موسى فرجل آدم ، كأنه من رجال أزد عمان ، وأما عيسى فرجل ربعة ، سبط ، تعلوه حمرة كأنما يتحادر من شعره الجمان " .

هذا سياق فيه غرائب عجيبة .

رواية أنس - رضي الله عنه - عن مالك بن صعصعة :

قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، قال : سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك : أن مالك بن صعصعة حدثه : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به ، قال : " بينما أنا في الحطيم - وربما قال قتادة : في الحجر - مضطجعا إذ أتاني آت " فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثلاثة ، قال : " فأتاني فقد - وسمعت قتادة يقول : فشق - ما بين هذه إلى هذه " . وقال قتادة : فقلت للجارود وهو إلى جنبي : ما يعني ؟ قال : من ثغرة نحره إلى شعرته ، وقد سمعته يقول : من قصته إلى شعرته قال : " فاستخرج قلبي " قال : " فأتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا وحكمة فغسل قلبي ثم حشي ، ثم أعيد . ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض " قال : فقال الجارود : وهو البراق يا أبا حمزة ؟ قال : نعم ، يقع خطوه عند أقصى طرفه . قال : " فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل ، عليه السلام ، حتى أتى بي إلى السماء الدنيا ، فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . فقيل : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء " قال : " ففتح فلما خلصت ، فإذا فيها آدم ، عليه السلام ، فقال : هذا أبوك آدم ، فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح .

ثم صعد حتى أتى السماء الثانية ، فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء " ، قال : " ففتح ، فلما خلصت ، فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة . قال : هذا يحيى وعيسى ، فسلم عليهما . قال : فسلمت فردا السلام ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .

ثم صعد حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء " . قال : ففتح فلما خلصت ، فإذا يوسف ، عليه السلام ، قال : هذا يوسف قال : " فسلمت عليه ، فرد السلام ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .

ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة ، فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء " قال : " ففتح فلما خلصت فإذا إدريس ، قال : هذا إدريس فسلم عليه " . قال : " فسلمت عليه . فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح " .

قال : " ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء " . قال : " ففتح ، فلما خلصت ، فإذا هارون ، عليه السلام ، قال : هذا هارون فسلم عليه . قال : فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالأخ والنبي الصالح " .

قال : " ثم صعد حتى أتى السماء السادسة فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء . ففتح ، فلما خلصت ، فإذا أنا بموسى ، قال : هذا موسى ، عليه السلام ، فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد السلام ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح " . قال : " فلما تجاوزته بكى . قيل له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي ؛ لأن غلاما بعث بعدي ، يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي " .

قال : " ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء " . قال : " ففتح ، فلما خلصت ، فإذا إبراهيم ، عليه السلام . فقال : هذا إبراهيم ، فسلم عليه " . قال : " فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح " .

قال : ثم رفعت إلي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، فقال : هذه سدرة المنتهى " . قال : " وإذا أربعة أنهار : نهران باطنان ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات " .

قال : ثم رفع إلي البيت المعمور .

قال قتادة : وحدثني الحسن ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون فيه .

ثم رجع إلى حديث أنس [ قال : " ثم ] أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل " . قال : " فأخذت اللبن ، قال : هذه الفطرة وأنت عليها وأمتك " .

قال : " ثم فرضت الصلاة خمسين صلاة كل يوم " . قال : " فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، قال ما فرض ربك على أمتك ؟ " قال : " قلت خمسين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة ، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، عن أمتك " . قال : " فرجعت فوضع عني عشرا ، قال : فرجعت إلى موسى ، فقال : بم أمرت ؟ قلت : بأربعين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم ، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . قال : فرجعت فوضع عني عشرا أخر . فرجعت إلى موسى فقال : بم أمرت ؟ فقلت : أمرت بثلاثين صلاة . قال : إن أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم ، وإني قد خبرت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك " . قال : " فرجعت فوضع عني عشرا أخر ، فرجعت إلى موسى فقال : بم أمرت ؟ قلت : بعشرين صلاة كل يوم . فقال : إن أمتك لا تستطيع لعشرين صلاة كل يوم ، وإني قد خبرت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك " . قال : " فرجعت فوضع عني عشرا أخر ، فرجعت إلى موسى فقال : بم أمرت ؟ فقلت : أمرت بعشر صلوات في كل يوم . فقال : إن أمتك لا تستطيع لعشر صلوات كل يوم ، وإني قد خبرت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك " . قال : " فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى فقال : بم أمرت ؟ فقلت : أمرت بخمس صلوات كل يوم . فقال : إن أمتك لا تستطيع لخمس صلوات كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك " . قال : " قلت : لقد سألت ربي [ عز وجل ] حتى استحييت ، ولكن أرضى وأسلم . فنفذت ، فناداني مناد : قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي " .

وأخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة ، بنحوه .

" رواية أنس ، عن أبي ذر :

قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر - رضي الله عنه - يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فرج سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبريل ففرج [ صدري ثم غسله بماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا ، فأفرغه ] في صدري ، ثم أطبقه . ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء ، فلما جئت إلى السماء [ الدنيا ] قال جبريل لخازن السماء : افتح . قال : من هذا ؟ قال : جبريل . قال : هل معك أحد ؟ قال : نعم ، معي محمد . قال : أرسل إليه ؟ قال : نعم . فلما فتح علونا السماء الدنيا وإذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى . فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . قلت : لجبريل : من هذا ؟ قال : هذا آدم . وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار . فإذا نظر ، عن يمينه ضحك ، وإذا نظر ، عن شماله بكى .

" ثم عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها : افتح . فقال له خازنها مثل ما قال له الأول ، ففتح " . قال أنس : فذكر أنه وجد في السموات آدم ، وإدريس ، وموسى ، وعيسى ، وإبراهيم ، ولم يثبت كيف منازلهم ، غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا ، وإبراهيم في السماء السادسة . قال أنس : فلما مر جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم بإدريس قال : " مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . فقلت : من هذا ؟ فقال : هذا إدريس . ثم مررت بموسى فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . قلت : من هذا ؟ قال : موسى ثم مررت بعيسى فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . قلت : من هذا ؟ قال : عيسى ابن مريم . ثم مررت بإبراهيم فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . قلت : من هذا ؟ قال : هذا إبراهيم " . قال الزهري : فأخبرني ابن حزم : أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام " . قال ابن حزم وأنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ففرض الله على أمتي خمسين صلاة ، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى ، فقال : ما فرض الله على أمتك ؟ قلت : فرض خمسين صلاة . قال : فارجع إلى ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فرجعت [ فوضع شطرها ، فرجعت إلى موسى ، قلت : وضع شطرها . فقال : ارجع إلى ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك . فرجعت فوضع شطرها . فرجعت إليه فقال : ارجع إلى ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك . فراجعته ] فقال : هي خمس وهي خمسون ، لا يبدل القول لدي . فرجعت إلى موسى فقال : ارجع إلى ربك . قلت : قد استحييت من ربي . ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي ، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك " .

هذا لفظ البخاري في " كتاب الصلاة " ورواه في ذكر بني إسرائيل ، وفي الحج وفي أحاديث الأنبياء من طرق أخر ، عن يونس به ، ورواه مسلم في صحيحه في " كتاب الإيمان " منه ، عن حرملة ، عن ابن وهب ، عن يونس به نحوه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته . قال : وما كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله : هل رأى ربه ؟ فقال : إني قد سألته فقال : " إني قد رأيته نورا أنى أراه " .

هكذا قد وقع في رواية الإمام أحمد وأخرجه مسلم في صحيحه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق ، [ عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : " نور أني أراه " .

وعن محمد بن بشار ، عن معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق ] قال : قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته . فقال : عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله : هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر : قد سألت فقال : " رأيت نورا " .

رواية أنس ، عن أبي بن كعب الأنصاري ، رضي الله عنه :

قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا محمد بن إسحاق بن محمد بن المسيبي حدثنا أنس بن عياض ، عن يونس بن يزيد قال : قال ابن شهاب : قال أنس بن مالك : كان أبي بن كعب يحدث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فرج سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبريل ففرج صدري ، ثم غسله من ماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا ، فأفرغها في صدري ثم أطبقه ، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء . فلما جاء السماء [ فافتتح فقال : من هذا ؟ قال : جبريل . قال : هل معك أحد ؟ قال : نعم ، معي محمد . قال : أرسل إليه ؟ قال : نعم ، فافتح . فلما علونا السماء الدنيا ] إذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره ‌أسودة ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى قال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح " . قال : " قلت لجبريل : من هذا ؟ قال : هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه ، فأهل اليمين هم أهل الجنة ، والأسودة التي عن شماله هم أهل النار . فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى " قال : " ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية ، فقال لخازنها : افتح . فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا ففتح له " . قال أنس : فذكر أنه وجد في السموات : آدم ، وإدريس ، وموسى ، وعيسى ، وإبراهيم ، ولم يثبت لي كيف منازلهم ؟ غير أنه ذكر أنه وجد آدم ، عليه السلام ، في السماء الدنيا ، وإبراهيم في السماء السادسة . قال أنس : فلما مر جبريل عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس قال : " مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح " . قال : " قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا إدريس " ، قال : " ثم مررت ب موسى ، فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . فقلت : من هذا ؟ قال : هذا موسى ، ثم مررت ب عيسى فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . قلت : من هذا ؟ . قال : هذا عيسى ابن مريم " قال : " ثم مررت ب إبراهيم فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . قلت : من هذا ؟ قال : هذا إبراهيم " . قال ابن شهاب : وأخبرني ابن حزم : أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع صريف الأقلام " قال ابن حزم وأنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فرض الله على أمتي خمسين صلاة " قال : " فرجعت بذلك حتى أمر على موسى ، فقال موسى : ماذا فرض ربك على أمتك ؟ قلت : فرض عليهم خمسين صلاة . فقال لي موسى : راجع ربك ؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك " قال : " فراجعت ربي فوضع شطرها ، فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال : ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فرجعت فقال : هي خمس وهي خمسون ، لا يبدل القول لدي " . قال : " فرجعت إلى موسى فقال : راجع ربك . فقلت قد استحييت من ربي " قال : " ثم انطلق بي حتى أتى سدرة المنتهى . قال : " فغشيها ألوان ما أدري ما هي ؟ " قال : " ثم أدخلت الجنة ، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك " .

هكذا رواه عبد الله بن [ الإمام ] أحمد في مسند أبيه . وليس هو في شيء من الكتب الستة ، وقد تقدم في الصحيحين من طريق يونس ، عن الزهري ، عن أبي ذر ، مثل هذا السياق سواء ، فالله أعلم .

رواية بريدة بن الحصيب الأسلمي :

قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عبد الرحمن بن المتوكل ويعقوب بن إبراهيم - واللفظ له - قالا : حدثنا أبو نميلة ، أخبرنا الزبير بن جنادة ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما كان ليلة أسري به قال : فأتى جبريل الصخرة التي ب بيت المقدس ، فوضع إصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق " .

ثم قال البزار : لا نعلم رواه عن الزبير بن جنادة إلا أبو نميلة ، ولا نعلم هذا الحديث [ يروى ] إلا عن بريدة . وقد رواه الترمذي في التفسير من جامعه ، عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي به وقال : غريب .

رواية جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه :

قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب قال : قال أبو سلمة : سمعت جابر بن عبد الله يحدث : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس ، قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس ، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه " .

أخرجاه في الصحيحين من طرق ، عن الزهري به .

وقال البيهقي : أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى بيت المقدس ، لقي فيه إبراهيم وموسى وعيسى ، وإنه أتي بقدحين : قدح من لبن وقدح خمر ، فنظر إليهما ، ثم أخذ قدح اللبن . فقال جبريل : أصبت ، هديت للفطرة ، لو اخترت الخمر لغوت أمتك . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، فأخبر أنه أسري به ، فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه .

قال ابن شهاب : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : فتجهز - أو كلمة نحوها - ناس من قريش إلى أبي بكر فقالوا : هل لك في صاحبك ؟ يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة ! فقال أبو بكر : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا : فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح ؟ قال : نعم ، إني أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء . قال أبو سلمة : فبها سمي أبو بكر : الصديق .

قال أبو سلمة : فسمعت جابر بن عبد الله يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ‌‌لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس ، قمت في الحجر ، فجلى الله لي بيت المقدس ، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه " .

رواية حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه :

قال الإمام أحمد : ثنا أبو النضر ، ثنا شيبان ، عن ‌عاصم ، عن زر بن حبيش ، قال : أتيت على حذيفة بن اليمان وهو يحدث ، عن ليلة أسري ب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو يقول : " فانطلقنا حتى أتينا بيت المقدس " . فلم يدخلاه . قال : قلت : بل دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ وصلى فيه . قال : ما اسمك يا أصلع ؟ فإني أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك ؟ قال : قلت : أنا زر بن حبيش . قال : فما علمك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه ليلتئذ ؟ قال : قلت : القرآن يخبرني بذلك . قال : من تكلم بالقرآن فلج ، اقرأ . قال : فقلت : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) قال : يا أصلع ، هل تجد " صلى فيه " ؟ قلت : لا . قال : والله ما صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ ، ولو صلى فيه لكتب عليكم صلاة فيه ، كما كتب عليكم صلاة في البيت العتيق ، والله ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء ، فرأيا الجنة والنار ووعد الآخرة أجمع ، ثم عادا عودهما على بدئهما . قال : ثم ضحك حتى رأيت نواجذه . قال : وتحدثوا أنه ربطه ، لا يفر منه ، وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة . قلت : أبا عبد الله : أي دابة البراق ؟ قال : دابة أبيض طويل هكذا ، خطوه مد البصر .

ورواه أبو داود الطيالسي ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم ، به . ورواه الترمذي والنسائي في التفسير من حديث عاصم - وهو ابن أبي النجود - به ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

وهذا الذي قاله حذيفة - رضي الله عنه - نفي ، وما أثبته غيره ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربط الدابة بالحلقة ومن الصلاة ب البيت المقدس ، مما سبق وما سيأتي مقدم على قوله ، والله أعلم بالصواب .

رواية أبي سعيد - سعد بن مالك بن سنان الخدري :

قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب " دلائل النبوة " :

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أبو بكر يحيى بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، أخبرنا أبو محمد راشد الحماني ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه : يا رسول الله ، أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها ، قال : قال الله عز وجل : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) قال : فأخبرهم فقال : " فبينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام ، إذ أتاني آت فأيقظني ، فاستيقظت فلم أر شيئا ، وإذا أنا بكهي

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022