ثم قال تعالى : ( قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) أي : اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله .
وقوله : ( فإن تولوا ) أي : تتولوا عنه وتتركوا ما جاءكم به ، ( فإنما عليه ما حمل ) أي : إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة ، ( وعليكم ما حملتم ) أي : من ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه ، ( وإن تطيعوه تهتدوا ) ، وذلك لأنه يدعو إلى صراط مستقيم ( صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ) [ الشورى : 53 ] .
وقوله : ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) كقوله : ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] ، وقوله ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) [ الغاشية : 21 ، 22 ] .
وقال وهب بن منبه : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل - يقال له : شعياء - أن قم في بني إسرائيل فإني سأطلق لسانك بوحي . فقام فقال : يا سماء اسمعي ، ويا أرض انصتي ، فإن الله يريد أن يقضي شأنا ويدبر أمرا هو منفذه ، إنه يريد أن يحول الريف إلى الفلاة ، والآجام في الغيطان ، والأنهار في الصحاري ، والنعمة في الفقراء ، والملك في الرعاة ، ويريد أن يبعث أميا من الأميين ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، لو يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته ، ولو يمشي على القصب اليابس لم يسمع من تحت قدميه . أبعثه مبشرا ونذيرا ، لا يقول الخنا ، أفتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، وأسدده لكل أمر جميل ، وأهب له كل خلق كريم ، وأجعل السكينة لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره ، والحكمة منطقه ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه ، والحق شريعته ، والعدل سيرته ، والهدى إمامه ، والإسلام ملته ، وأحمد اسمه ، أهدي به بعد الضلالة ، وأعلم به من الجهالة ، وأرفع به بعد الخمالة ، وأعرف به بعد النكرة ، وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العيلة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأؤلف به بين أمم متفرقة ، وقلوب مختلفة ، وأهواء متشتتة ، وأستنقذ به فئاما من الناس عظيما من الهلكة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، موحدين مؤمنين مخلصين ، مصدقين بما جاءت به رسلي . رواه ابن أبي حاتم .