وقوله : ( فمن خاف من موص جنفا أو إثما ) قال ابن عباس ، وأبو العالية ، ومجاهد ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي : الجنف : الخطأ . وهذا يشمل أنواع الخطأ كلها ، بأن زاد وارثا بواسطة أو وسيلة ، كما إذا أوصى ببيعه الشيء الفلاني محاباة ، أو أوصى لابن ابنته ليزيدها ، أو نحو ذلك من الوسائل ، إما مخطئا غير عامد ، بل بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر ، أو متعمدا آثما في ذلك ، فللوصي والحالة هذه أن يصلح القضية ويعدل في الوصية على الوجه الشرعي . ويعدل عن الذي أوصى به الميت إلى ما هو أقرب الأشياء إليه وأشبه الأمور به جمعا بين مقصود الموصي والطريق الشرعي . وهذا الإصلاح والتوفيق ليس من التبديل في شيء . ولهذا عطف هذا فبينه على النهي لذلك ، ليعلم أن هذا ليس من ذلك بسبيل ، والله أعلم .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد ، قراءة ، أخبرني أبي ، عن الأوزاعي ، قال الزهري : حدثني عروة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " يرد من صدقة الحائف في حياته ما يرد من وصية المجنف عند موته " .
وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه ، من حديث العباس بن الوليد ، به .
قال ابن أبي حاتم : وقد أخطأ فيه الوليد بن مزيد . وهذا الكلام إنما هو عن عروة فقط . وقد رواه الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، فلم يجاوز به عروة .
وقال ابن مردويه أيضا : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عمر بن المغيرة ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحيف في الوصية من الكبائر " .
وهذا في رفعه أيضا نظر . وأحسن ما ورد في هذا الباب ما قال عبد الرزاق :
حدثنا معمر ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة ، فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله ، فيدخل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله ، فيدخل الجنة " . قال أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) [ البقرة : 229 ] .