تفسير ابن كثير - Ibn-Katheer   سورة  الأنعام الأية 82


سورة Sura   الأنعام   Al-An'aam
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87) ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ (90)
الصفحة Page 138
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)

قال الله تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) أي : هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك ، له ، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة ، المهتدون في الدنيا والآخرة .

قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت ( ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) قال أصحابه : وأينا لم يظلم نفسه؟ فنزلت : ( إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان : 13 ]

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت هذه الآية : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) شق ذلك على الناس وقالوا : يا رسول الله ، فأينا لا يظلم نفسه؟ قال : " إنه ليس الذي تعنون! ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) إنما هو الشرك "

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع وابن إدريس ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت : ( ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) شق ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا : وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس كما تظنون ، إنما قال [ لقمان ] لابنه : ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم )

وحدثنا عمر بن شبة النمري ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ( ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) قال : " بشرك " .

قال : وروي عن أبي بكر الصديق وعمر وأبي بن كعب وسلمان وحذيفة وابن عباس وابن عمر وعمرو بن شرحبيل وأبي عبد الرحمن السلمي ومجاهد وعكرمة والنخعي والضحاك وقتادة والسدي نحو ذلك .

وقال ابن مردويه : حدثنا الشافعي ، حدثنا محمد بن شداد المسمعي ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قيل لي : أنت منهم "

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا أبو جناب ، عن زاذان عن جرير بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فلما برزنا من المدينة ، إذا راكب يوضع نحونا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كأن هذا الراكب إياكم يريد " . فانتهى إلينا الرجل ، فسلم فرددنا عليه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من أين أقبلت؟ " قال : من أهلي وولدي وعشيرتي . قال : " فأين تريد؟ " ، قال : أريد رسول الله . قال : " فقد أصبته " . قال : يا رسول الله ، علمني ما الإيمان؟ قال : " تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت " . قال : قد أقررت . قال : ثم إن بعيره دخلت يده في شبكة جرذان ، فهوى بعيره وهوى الرجل ، فوقع على هامته فمات ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " علي بالرجل " . فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فأقعداه ، فقالا يا رسول الله ، قبض الرجل! قال : فأعرض عنهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما رأيتما إعراضي عن الرجل ، فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة ، فعلمت أنه مات جائعا " ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هذا من الذين قال الله ، عز وجل : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) ثم قال : " دونكم أخاكم " . قال : فاحتملناه إلى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه ، وحملناه إلى القبر ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جلس على شفير القبر فقال : " الحدوا ولا تشقوا ، فإن اللحد لنا والشق لغيرنا

ثم رواه أحمد ، عن أسود بن عامر ، عن عبد الحميد بن جعفر الفراء ، عن ثابت ، عن زاذان ، عن جرير بن عبد الله ، فذكر نحوه ، وقال فيه : " هذا ممن عمل قليلا وأجر كثيرا "

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يوسف بن موسى القطان ، حدثنا مهران بن أبي عمر حدثنا علي بن عبد الأعلى عن أبيه ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير ساره ، إذ عرض له أعرابي فقال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، لقد خرجت من بلادي وتلادي ومالي لأهتدي بهداك ، وآخذ من قولك ، وما بلغتك حتى ما لي طعام إلا من خضر الأرض ، فاعرض علي . فعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقبل فازدحمنا حوله ، فدخل خف بكره في بيت جرذان ، فتردى الأعرابي ، فانكسرت عنقه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صدق والذي بعثني بالحق ، لقد خرج من بلاده وتلاده وماله ليهتدي بهداي ويأخذ من قولي ، وما بلغني حتى ما له طعام إلا من خضر الأرض ، أسمعتم بالذي عمل قليلا وأجر كثيرا هذا منهم! أسمعتم بالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون؟ فإن هذا منهم " [ وروى ابن مردويه من حديث محمد بن معلى - وكان نزل الري - حدثنا زياد بن خيثمة ، عن أبي داود ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أعطي فشكر ومنع فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر " وسكت ، قالوا : يا رسول الله ما له؟ قال " : ( أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) ]

وقوله : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ) أي : وجهنا حجته على قومه .

قال مجاهد وغيره : يعني بذلك قوله : ( وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن [ إن كنتم تعلمون ] ) وقد صدقه الله ، وحكم له بالأمن والهداية فقال : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022