( واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ) هناك الفصل الأول من الدعاء دفع المحذور ، وهذا لتحصيل المقصود ( واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ) أي : أوجب لنا وأثبت لنا فيهما حسنة ، وقد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة . [ الآية : 201 ]
( إنا هدنا إليك ) أي : تبنا ورجعنا وأنبنا إليك . قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وأبو العالية ، والضحاك ، وإبراهيم التيمي ، والسدي ، وقتادة ، وغير واحد . وهو كذلك لغة .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، عن شريك ، عن جابر ، عن عبد الله بن نجي عن علي رضي الله عنه قال : إنما سميت اليهود لأنهم قالوا : ( إنا هدنا إليك )
جابر - هو ابن يزيد الجعفي - ضعيف .
قال تعالى مجيبا لموسى في قوله : ( إن هي إلا فتنتك [ تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ] ) الآية : ( عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ) أي : أفعل ما أشاء ، وأحكم ما أريد ، ولي الحكمة والعدل في كل ذلك ، سبحانه لا إله إلا هو .
وقوله تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء ) آية عظيمة الشمول والعموم ، كقوله إخبارا عن حملة العرش ومن حوله أنهم يقولون : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) [ غافر : 7 ]
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبي ، حدثنا الجريري ، عن أبي عبد الله الجشمي ، حدثنا جندب - هو ابن عبد الله البجلي ، رضي الله عنه - قال : جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فأطلق عقالها ، ثم ركبها ، ثم نادى : اللهم ، ارحمني ومحمدا ، ولا تشرك في رحمتنا أحدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتقولون هذا أضل أم بعيره ؟ ألم تسمعوا ما قال ؟ " قالوا : بلى . قال : " لقد حظرت رحمة واسعة ; إن الله ، عز وجل ، خلق مائة رحمة ، فأنزل رحمة واحدة يتعاطف بها الخلق ; جنها وإنسها وبهائمها ، وأخر عنده تسعا وتسعين رحمة ، أتقولون هو أضل أم بعيره ؟ " .
رواه أبو داود عن علي بن نصر ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، به
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا يحيى بن سعيد عن سليمان ، عن أبي عثمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله عز وجل ، مائة رحمة ، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق ، وبها تعطف الوحوش على أولادها ، وأخر تسعا وتسعين إلى يوم القيامة " .
تفرد بإخراجه مسلم ، فرواه من حديث سليمان - هو ابن طرخان - وداود بن أبي هند كلاهما ، عن أبي عثمان - واسمه عبد الرحمن بن مل - عن سلمان هو الفارسي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم به
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لله مائة رحمة ، عنده تسعة وتسعون ، وجعل عندكم واحدة تتراحمون بها بين الجن والإنس وبين الخلق ، فإذا كان يوم القيامة ضمها إليه " . تفرد به أحمد من هذا الوجه
وقال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لله مائة رحمة ، فقسم منها جزءا واحدا بين الخلق ، فيه يتراحم الناس والوحش والطير " .
ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية ، عن الأعمش ، به
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا سعد أبو غيلان الشيباني ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، ليدخلن الجنة الفاجر في دينه ، الأحمق في معيشته . والذي نفسي بيده ، ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه . والذي نفسي بيده ، ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه " .
هذا حديث غريب جدا ، " وسعد " هذا لا أعرفه
وقوله : ( فسأكتبها للذين يتقون ) الآية ، يعني : فسأوجب حصول رحمتي منة مني وإحسانا إليهم ، كما قال تعالى : ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) [ الأنعام : 54 ]
وقوله : ( للذين يتقون ) أي : سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات ، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يتقون ، أي : الشرك والعظائم من الذنوب .
( ويؤتون الزكاة ) قيل : زكاة النفوس . وقيل : [ زكاة ] الأموال . ويحتمل أن تكون عامة لهما ; فإن الآية مكية ( والذين هم بآياتنا يؤمنون ) أي : يصدقون .