يخبر تعالى أنه يتوفى عباده في منامهم بالليل ، وهذا هو التوفي الأصغر كما قال تعالى : ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي [ ومطهرك من الذين كفروا ] ) [ آل عمران : 55 ] ، وقال تعالى : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ) [ الزمر : 42 ] ، فذكر في هذه الآية الوفاتين : الكبرى والصغرى ، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى ، فقال : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) أي : ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار . وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم ، في حال سكونهم وفي حال حركتهم ، كما قال : ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) [ الرعد : 10 ] ، وكما قال تعالى : ( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ) أي : في الليل ( ولتبتغوا من فضله ) [ القصص : 73 ] أي : في النهار ، كما قال : ( وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا ) [ النبأ : 10 ، 11 ; ولهذا قال هاهنا : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) أي : ما كسبتم بالنهار ) ثم يبعثكم فيه ) أي : في النهار . قاله مجاهد وقتادة والسدي .
وقال ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير : أي في المنام .
والأول أظهر . وقد روى ابن مردويه بسنده عن الضحاك ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه ، ويرد إليه . فإن أذن الله في قبض روحه قبضه ، وإلا رد إليه " ، فذلك قوله : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل )
وقوله ( ليقضى أجل مسمى ) يعني به : أجل كل واحد من الناس ( ثم إليه مرجعكم ) أي : يوم القيامة ( ثم ينبئكم ) أي : فيخبركم ( بما كنتم تعملون ) أي : ويجزيكم على ذلك إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .