وقوله : ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ) : إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة ، أنهم يوم القيامة يحملون أوزار أنفسهم ، وأوزارا أخر بسبب من أضلوا من الناس ، من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئا ، كما قال تعالى : ( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ) [ النحل : 25 ] .
وفي الصحيح : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من آثامهم شيئا " وفي الصحيح : " ما قتلت نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ; لأنه أول من سن القتل " .
وقوله : ( وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ) أي : يكذبون ويختلقون من البهتان .
وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا فقال : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة ، حدثنا عثمان بن حفص بن أبي العالية ، حدثني سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغ ما أرسل به ، ثم قال : " إياكم والظلم ، فإن الله يعزم يوم القيامة فيقول : وعزتي لا يجوزني اليوم ظلم ! ثم ينادي مناد فيقول : أين فلان ابن فلان ؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال ، فيشخص الناس إليها أبصارهم حتى يقوم بين يدي الله الرحمن عز وجل ثم يأمر المنادي فينادي من كانت له تباعة - أو : ظلامة - عند فلان ابن فلان ، فهلم . فيقبلون حتى يجتمعوا قياما بين يدي الرحمن ، فيقول الرحمن : اقضوا عن عبدي . فيقولون : كيف نقضي عنه ؟ فيقول لهم : خذوا لهم من حسناته . فلا يزالون يأخذون منها حتى لا يبقى له حسنة ، وقد بقي من أصحاب الظلامات ، فيقول : اقضوا عن عبدي . فيقولون : لم يبق له حسنة . فيقول : خذوا من سيئاتهم فاحملوها عليه " . ثم نزع النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الآية الكريمة : ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ) .
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا أبو بشر الحذاء ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا معاذ ، إن المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه ، حتى عن كحل عينيه ، وعن فتات الطينة بإصبعيه ، فلا ألفينك تأتي يوم القيامة وأحد أسعد بما آتاك الله منك " .