ولهذا قال تعالى : ( ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون ) أي : ما آتينا قرية من القرى الذين بعث فيهم الرسل آية على يدي نبيها فآمنوا بها ، بل كذبوا ، فأهلكناهم بذلك ، أفهؤلاء يؤمنون بالآيات لو رأوها دون أولئك؟ كلا بل ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] .
هذا كله ، وقد شاهدوا من الآيات الباهرات ، والحجج القاطعات ، والدلائل البينات ، على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أظهر وأجلى ، وأبهر وأقطع وأقهر ، مما شوهد مع غيره من الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : ذكر عن زيد بن الحباب ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا الحارث بن زيد الحضرمي ، عن علي بن رباح اللخمي ، حدثني من شهد عبادة بن الصامت ، يقول : كنا في المسجد ومعنا أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، يقرئ بعضنا بعضا القرآن ، فجاء عبد الله بن أبي ابن سلول ، ومعه نمرقة وزربية ، فوضع واتكأ ، وكان صبيحا فصيحا جدلا فقال : يا أبا بكر ، قل لمحمد يأتينا بآية كما جاء الأولون؟ جاء موسى بالألواح ، وجاء داود بالزبور ، وجاء صالح بالناقة ، وجاء عيسى بالإنجيل وبالمائدة . فبكى أبو بكر ، رضي الله عنه ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : قوموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نستغيث به من هذا المنافق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه لا يقام لي ، إنما يقام لله عز وجل " . فقلنا : يا رسول الله ، إنا لقينا من هذا المنافق . فقال : " إن جبريل قال لي : اخرج فأخبر بنعم الله التي أنعم بها عليك ، وفضيلته التي فضلت بها ، فبشرني أني بعثت إلى الأحمر والأسود ، وأمرني أن أنذر الجن ، وآتاني كتابه وأنا أمي ، وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر ، وذكر اسمي في الأذان وأيدني بالملائكة ، وآتاني النصر ، وجعل الرعب أمامي ، وآتاني الكوثر ، وجعل حوضي من أعظم الحياض يوم القيامة ، ووعدني المقام المحمود والناس مهطعون مقنعو رءوسهم ، وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس ، وأدخل في شفاعتي سبعين ألفا من أمتي الجنة بغير حساب وآتاني السلطان والملك ، وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في جنات النعيم ، فليس فوقي أحد إلا الملائكة الذين يحملون العرش ، وأحل لي الغنائم ، ولم تحل لأحد كان قبلنا " . وهذا الحديث غريب جدا .