تفسير ابن كثير - Ibn-Katheer   سورة  الحج الأية 32


سورة Sura   الحج   Al-Hajj
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) ۞ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
الصفحة Page 336
ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)

يقول تعالى : هذا ( ومن يعظم شعائر الله ) أي : أوامره ، ( فإنها من تقوى القلوب ) ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن ، كما قال الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : تعظيمها : استسمانها واستحسانها .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا حفص بن غياث ، عن ابن أبي ليلى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ( ذلك ومن يعظم شعائر الله ) قال : الاستسمان والاستحسان والاستعظام .

وقال أبو أمامة بن سهل : كنا نسمن الأضحية بالمدينة ، وكان المسلمون يسمنون . رواه البخاري .

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين " . رواه أحمد ، وابن ماجه .

قالوا : والعفراء هي البيضاء بياضا ليس بناصع ، فالبيضاء أفضل من غيرها ، وغيرها يجزئ أيضا; لما ثبت في صحيح البخاري ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين .

وعن أبي سعيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد ، وينظر في سواد ، ويمشي في سواد

رواه أهل السنن ، وصححه الترمذي ، أي : بكبش أسود في هذه الأماكن .

وفي سنن ابن ماجه ، عن أبي رافع : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين . قيل : هما الخصيان . وقيل : اللذان رض خصياهما ، ولم يقطعهما ، والله أعلم .

وكذا روى أبو داود وابن ماجه عن جابر : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين موجوءين [ والموجوءين قيل : هما الخصيان ] .

وعن علي رضي الله عنه ، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ، وألا نضحي بمقابلة ، ولا مدابرة ، ولا شرقاء ، ولا خرقاء

رواه أحمد ، وأهل السنن ، وصححه الترمذي .

ولهم عنه ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضحي بأعضب القرن والأذن .

وقال سعيد بن المسيب : العضب : النصف فأكثر .

وقال بعض أهل اللغة : إن كسر قرنها الأعلى فهي قصماء ، فأما العضب فهو كسر الأسفل ، وعضب الأذن قطع بعضها .

وعند الشافعي أن التضحية بذلك مجزئة ، لكن تكره .

وقال [ الإمام ] أحمد : لا تجزئ الأضحية بأعضب القرن والأذن; لهذا الحديث .

وقال مالك : إن كان الدم يسيل من القرن لم يجزئ ، وإلا أجزأ ، والله أعلم .

وأما المقابلة : فهي التي قطع مقدم أذنها ، والمدابرة : من مؤخر أذنها . والشرقاء : هي التي قطعت أذنها طولا قاله الشافعي . والخرقاء : هي التي خرقت السمة أذنها خرقا مدورا ، والله أعلم .

وعن البراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والكسيرة التي لا تنقى " .

رواه أحمد ، وأهل السنن ، وصححه الترمذي .

وهذه العيوب تنقص اللحم ، لضعفها وعجزها عن استكمال الرعي; لأن الشاء يسبقونها إلى المرعى ، فلهذا لا تجزئ التضحية بها عند الشافعي وغيره من الأئمة ، كما هو ظاهر الحديث .

واختلف قول الشافعي في المريضة مرضا يسيرا ، على قولين .

وروى أبو داود ، عن عتبة بن عبد السلمي; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المصفرة ، والمستأصلة ، والبخقاء ، والمشيعة ، والكسراء .

فالمصفرة قيل : الهزيلة . وقيل : المستأصلة الأذن . والمستأصلة : المكسورة القرن . والبخقاء : هي العوراء . والمشيعة : هي التي لا تزال تشيع خلف الغنم ، ولا تتبع لضعفها . والكسراء : العرجاء .

فهذه العيوب كلها مانعة [ من الإجزاء ، فإن طرأ العيب ] بعد تعيين الأضحية فإنه لا يضر عيبه عند الشافعي خلافا لأبي حنيفة .

وقد روى الإمام أحمد ، عن أبي سعيد قال : اشتريت كبشا أضحي به ، فعدا الذئب فأخذ الألية . فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ضح به " ولهذا [ جاء ] في الحديث : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن . أي : أن تكون الهدية أو الأضحية سمينة حسنة ثمينة ، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود ، عن عبد الله بن عمر قال : أهدى عمر نجيبا ، فأعطي بها ثلاثمائة دينار ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني أهديت نجيبا ، فأعطيت بها ثلاثمائة دينار ، أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنا ؟ قال : " لا انحرها إياها " .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : البدن من شعائر الله .

وقال محمد بن أبي موسى : الوقوف ومزدلفة والجمار والرمي والبدن والحلق : من شعائر الله .

وقال ابن عمر : أعظم الشعائر البيت .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022