وقوله : ( وأذن في الناس بالحج ) أي : ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه . فذكر أنه قال : يا رب ، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل : ناد وعلينا البلاغ .
فقام على مقامه ، وقيل : على الحجر ، وقيل : على الصفا ، وقيل : على أبي قبيس ، وقال : يا أيها الناس ، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه ، فيقال : إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض ، وأسمع من في الأرحام والأصلاب ، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة : " لبيك اللهم لبيك " .
هذا مضمون ما روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وغير واحد من السلف ، والله أعلم .
أوردها ابن جرير ، وابن أبي حاتم مطولة .
وقوله : ( يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) قد يستدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الحج ماشيا ، لمن قدر عليه أفضل من الحج راكبا; لأنه قدمهم في الذكر ، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم وشدة عزمهم ، والذي عليه الأكثرون أن الحج راكبا أفضل; اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه حج راكبا مع كمال قوته ، عليه السلام .
وقوله : ( يأتين من كل فج ) يعني : طريق ، كما قال : ( وجعلنا فيها فجاجا سبلا ) [ الأنبياء : 31 ] .
وقوله : ( عميق ) أي : بعيد . قاله مجاهد ، وعطاء ، والسدي ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان ، والثوري ، وغير واحد .
وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن إبراهيم ، حيث قال في دعائه : ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) [ إبراهيم : 37 ] فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف ، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار .