يقول تعالى : إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء نسبتهم إلى الوصول إلى الهدى كنسبة من جعل في عنقه غل ، فجمع يديه مع عنقه تحت ذقنه ، فارتفع رأسه ، فصار مقمحا ; ولهذا قال : ( فهم مقمحون ) والمقمح : هو الرافع رأسه ، كما قالت أم زرع في كلامها : " وأشرب فأتقمح " أي : أشرب فأروى ، وأرفع رأسي تهنيئا وترويا . واكتفى بذكر الغل في العنق عن ذكر اليدين ، وإن كانتا مرادتين ، كما قال الشاعر :
فما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني أالخير الذي أنا أبتغيه
أم الشر الذي لا يأتليني
فاكتفى بذكر الخير عن ذكر الشر لما دل السياق والكلام عليه ، وكذا هذا ، لما كان الغل إنما يعرف فيما جمع اليدين مع العنق ، اكتفى بذكر العنق عن اليدين .
قال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ) قال : هو كقول الله تعالى : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) [ الإسراء : 29 ] يعني بذلك : أن أيديهم موثقة إلى أعناقهم ، لا يستطيعون أن يبسطوها بخير .
وقال مجاهد : ( فهم مقمحون ) قال : رافعو رءوسهم ، وأيديهم موضوعة على أفواههم ، فهم مغلولون عن كل خير .