وقوله : ( ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها ) أي حفظته وصانته . والإحصان : هو العفاف والحرية ، ( فنفخنا فيه من روحنا ) أي : بواسطة الملك ، وهو جبريل فإن الله بعثه إليها فتمثل لها في صورة بشر سوي ، وأمره الله تعالى أن ينفخ بفيه في جيب درعها ، فنزلت النفخة فولجت في فرجها ، فكان منه الحمل بعيسى ، عليه السلام . ولهذا قال : ( فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه ) أي : بقدره وشرعه ( وكانت من القانتين )
قال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن علباء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأرض أربعة خطوط ، وقال : " أتدرون ما هذا ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم ابنة عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون " .
وثبت في الصحيحين من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن مرة الهمداني ، عن أبي موسى الأشعري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " .
وقد ذكرنا طرق هذه الأحاديث ، وألفاظها ، والكلام عليها في قصة عيسى ابن مريم عليهما السلام ، في كتابنا " البداية والنهاية " ولله الحمد والمنة وذكرنا ما ورد من الحديث من أنها تكون هي وآسية بنت مزاحم من أزواجه ، عليه السلام ، في الجنة عند قوله : ( ثيبات وأبكارا )
آخر تفسير سورة التحريم ولله الحمد والمنة.