قوله تعالى : ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين
قوله تعالى : ومريم ابنة عمران أي واذكر مريم . وقيل : هو معطوف على امرأة فرعون . والمعنى : وضرب الله مثلا لمريم ابنة عمران وصبرها على أذى اليهود .
التي أحصنت فرجها أي عن الفواحش . وقال المفسرون : إنه أراد بالفرج هنا الجيب لأنه قال : فنفخنا فيه من روحنا ، وجبريل عليه السلام إنما نفخ في جيبها ولم ينفخ في فرجها . وهي في قراءة أبي " فنفخنا في جيبها من روحنا " . وكل خرق في الثوب يسمى جيبا ; ومنه قوله تعالى : وما لها من فروج . ويحتمل أن تكون أحصنت فرجها ونفخ الروح في جيبها . ومعنى فنفخنا أرسلنا جبريل فنفخ في جيبها من روحنا أي روحا من أرواحنا وهي روح عيسى . وقد مضى في آخر سورة " النساء " بيانه مستوفى والحمد لله .
وصدقت بكلمات ربها قراءة العامة وصدقت بالتشديد . وقرأ حميد والأموي " وصدقت " بالتخفيف . " بكلمات ربها " : قول جبريل لها : إنما أنا رسول ربك الآية . وقال مقاتل : يعني بالكلمات عيسى وأنه نبي وعيسى كلمة الله . وقد تقدم .
وقرأ الحسن وأبو العالية " بكلمة ربها وكتابه " وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم : " وكتبه " جمعا . وعن أبي رجاء " وكتبه " مخفف التاء . والباقون " بكتابه " على التوحيد . والكتاب يراد به الجنس ; فيكون في معنى كل كتاب أنزل الله تعالى .
وكانت من القانتين أي من المطيعين . وقيل : من المصلين بين المغرب والعشاء . وإنما لم يقل من القانتات ; لأنه أراد وكانت من القوم القانتين . ويجوز أن يرجع هذا إلى أهل بيتها ; فإنهم كانوا مطيعين لله . وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخديجة وهي تجود بنفسها : " أتكرهين ما قد نزل بك ولقد جعل الله في الكره خيرا ، فإذا قدمت على ضراتك فأقرئيهن مني السلام : مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكليمة - أو قال : حكيمة - بنت عمران أخت موسى بن عمران " . فقالت : بالرفاء والبنين يا رسول الله . وروى قتادة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حسبك من نساء العالمين أربع مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون بنت مزاحم " . وقد مضى في ( آل عمران ) الكلام في هذا مستوفى ، والحمد لله