قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: عهدنا إليه أيضا أن أذّن في الناس بالحجّ: يعني بقوله: (وأذّنْ) أعلم وناد في الناس أن حجوا أيها الناس بيت الله الحرام ( يَأْتُوكَ رِجالا ) يقول: فإن الناس يأتون البيت الذي تأمرهم بحجه مشاة على أرجلهم ( وَعَلى كُلّ ضَامِر ) يقول: وركباناً على كلّ ضامر ، وهي الإبل المهازيل ( يَأْتِينَ مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق ) يقول: تأتي هذه الضوامر من كل فجّ عميق: يقول: من كلّ طريق ومكان ومسلك بعيد. وقيل: يأتين. فجمع لأنه أريد بكل ضامر: النوق. ومعنى الكلّ: الجمع، فلذلك قيل: يأتين. وقد زعم الفراء أنه قليل في كلام العرب: مررت على كلّ رجل قائمين. قال: وهو صواب، وقول الله " وَعَلى ضَامِرٍ يَأْتينَ" ينبىء على صحة جوازه. وذُكر أن إبراهيم صلوات الله عليه لما أمره الله بالتأذين بالحجّ, قام على مقامه فنادى: يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا بيته العتيق.
وقد اختُلف في صفة تأذين إبراهيم بذلك. فقال بعضهم: نادى بذلك كما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن قابوس, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له: ( أذّنْ فِي النَّاسِ بالحَجّ ) قال: ربّ ومَا يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليّ البلاغ فنادى إبراهيم: أيها الناس كُتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فحجوا- قال: فسمعه ما بين السماء والأرض, أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون.
حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثنا محمد بن فضيل بن غزوان الضمي, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: لما بنى إبراهيم البيت أوحى الله إليه, أن أذّن في الناس بالحجّ، قال: فقال إبراهيم: ألا إن ربكم قد اتخذ بيتا, وأمركم أن تحجوه, فاستجاب له ما سمعه من شيء من حجر وشجر وأكمة أو تراب أو شيء: لبَّيك اللهم لبَّيك.
حدثنا ابن حميد قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا ابن واقد, عن أبي الزبير, عن مجاهد, عن ابن عباس: قوله: ( وأذّنْ فِي النَّاسِ بالحَجّ )قال: قام إبراهيم خليل الله على الحجر, فنادى: يا أيها الناس كُتب عليكم الحجّ, فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء, فأجابه من آمن من سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة: لبَّيك اللهمّ لبَّيك.
حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير: ( وأذّنْ فِي النَّاسِ بالحَجّ يَأْتُوكَ رِجالا ) قال: وقرت في قلب كلّ ذكر وأنثى.
حدثني ابن حميد, قال: ثنا حكام عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت, أوحى الله إليه, أن أذّن في الناس بالحجّ، قال: فخرج فنادى في الناس: يا أيها الناس أن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه، فلم يسمعه يومئذ من إنس, ولا جنّ, ولا شجر, ولا أكمة, ولا تراب, ولا جبل, ولا ماء, ولا شيء إلا قال: لبَّيك اللهم لبَّيك.
قال: ثنا حكام, عن عنبسة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: قام إبراهيم على المقام حين أمر أن يؤذّن في الناس بالحجّ.
حدثني القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, في قوله: ( وأذّنْ في النَّاسِ بالحَجّ ) قال: قام إبراهيم على مقامه, فقال: يا أيها الناس أجيبوا ربكم، فقالوا: لبَّيك اللهمّ لبَّيك، فمن حَجّ اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا ابن أبي عديّ, عن داود, عن عكرمة بن خالد المخزومي, قال: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت, قام على المقام, فنادى نداء سمعه أهل الأرض: إن ربكم قد بنى لكم بيتا فحجوه، قال داود: فأرجو من حجّ اليوم من إجابة إبراهيم عليه السلام. (7)
حدثني محمد بن سنان القزاز, قال: ثنا حجاج, قال: ثنا حماد, عن أبي عاصم الغَنَويّ, عن أبي الطفيل, قال: قال ابن عباس: هل تدري كيف كانت التلبية؟ قلت: وكيف كانت التلبية؟ قال: إن إبراهيم لما أمر أن يؤذّن في الناس بالحجّ, خفضت له الجبال رءوسها, ورُفِعَت القرى, فأذّن في الناس.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, قوله: ( وأذّنْ في النَّاسِ بالحَجّ ) قال إبراهيم: كيف أقول يا ربّ؟ قال: قل: يا أيها الناس استجيبوا لربكم، قال: وقَرَّت في قلب كلّ مؤمن.
وقال آخرون فى ذلك, ما حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن سلمة, عن مجاهد, قال: قيل لإبراهيم: أذّن في الناس بالحجّ، قال: يا ربّ كيف أقول؟ قال: قل لبَّيك اللهمّ لبَّيك. قال: فكانت أوّل التلبية.
وكان ابن عباس يقول: عني بالناس في هذا الموضع: أهل القبلة.
*ذكر الرواية بذلك: حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وأذّنْ في النَّاسِ بالحَجّ ) يعني بالناس: أهل القبلة, ألم تسمع أنه قال: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا ... [إلى قوله: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [يقول: ومن دخله من الناس الذين أمر أن يؤذن فيهم, وكتب عليهم الحجّ, فإنه آمن, فعظَّموا حرمات الله تعالى, فإنها من تقوى القلوب.
وأما قوله: ( يَأْتُوكَ رِجالا وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ ) فإن أهل التأويل قالوا فيه نحو قولنا.
*حدثنا القاسم, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عباس: ( يَأْتُوكَ رِجالا ) قال: مشاة.
قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو معاوية عن الحجاج بن أرطأة, قال: قال ابن عباس: ما آسى على شيء فاتني إلا أن لا أكون حججت ماشيا, سمعت الله يقول: ( يَأْتُوكَ رِجالا ).
قال: ثنا الحسين, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: حجّ إبراهيم وإسماعيل ماشيين.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن ابن عباس: ( يَأْتُوكَ رِجالا ) قال: على أرجلهم.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ ) قال: الإبل.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عباس: ( وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ ) قال: الإبل.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: ثنا المحاربي, عن عمر بن ذرّ, قال: قال مجاهد: كانوا لا يركبون, فأنـزل الله: ( يَأْتُوكَ رِجالا وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ ) قال: فأمرهم بالزاد, ورخص لهم في الركوب والمتجر.
وقوله ( مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق ) حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ( مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق ) يعني: من مكان بعيد.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عباس: ( مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق ) قال: بعيد.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( فَجّ عَمِيق ) قال: مكان بعيد.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة مثله.
------------------------
الهوامش:
(7) كذا وردت هذه العبارة الأخيرة في الأصل ، ولعل أصلها : فأرجو أن كل من حج اليوم ، فحجه من إجابة إبراهيم .