تفسير ابن كثير - Ibn-Katheer   سورة  النور الأية 58


سورة Sura   النور   An-Noor
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)
الصفحة Page 357
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)

هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض . وما تقدم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض . فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال : الأول من قبل صلاة الغداة; لأن الناس إذ ذاك يكونون نياما في فرشهم ( وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ) أي : في وقت القيلولة; لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله ، ( ومن بعد صلاة العشاء ) لأنه وقت النوم ، فيؤمر الخدم والأطفال ألا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال ، لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله ، ونحو ذلك من الأعمال; ولهذا قال : ( ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن ) أي : إذا دخلوا في حال غير هذه الأحوال فلا جناح عليكم في تمكينكم إياهم من ذلك ، ولا عليهم إن رأوا شيئا في غير تلك الأحوال; لأنه قد أذن لهم في الهجوم ، ولأنهم ) طوافون ) عليكم ، أي : في الخدمة وغير ذلك ، ويغتفر في الطوافين ما لا يغتفر في غيرهم; ولهذا روى الإمام مالك وأحمد بن حنبل وأهل السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الهرة : " إنها ليست بنجس; إنها من الطوافين عليكم - أو - والطوافات " .

ولما كانت هذه الآية محكمة ولم تنسخ بشيء ، وكان عمل الناس بها قليلا جدا ، أنكر عبد الله بن عباس ذلك على الناس ، كما قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني عبد الله بن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : ترك الناس ثلاث آيات فلم يعملوا بهن : ( يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم [ منكم ثلاث مرات ] ) إلى آخر الآية ، والآية التي في سورة النساء : ( وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ) [ النساء : 8 ] ، والآية التي في الحجرات : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [ الحجرات : 13 ]

وروي أيضا من حديث إسماعيل بن مسلم - وهو ضعيف - عن عمرو بن دينار ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : غلب الشيطان الناس على ثلاث آيات ، فلم يعملوا بهن : ( يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ) إلى آخر الآية .

وقال أبو داود : حدثنا ابن الصباح بن سفيان وابن عبدة - وهذا حديثه - أخبرنا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، سمع ابن عباس يقول : لم يؤمن بها أكثر الناس - آية الإذن - وإني لآمر جاريتي هذه تستأذن علي .

قال أبو داود : وكذلك رواه عطاء ، عن ابن عباس يأمر به .

وقال الثوري ، عن موسى بن أبي عائشة سألت الشعبي : ( ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ) ، قال : لم تنسخ . قلت : فإن الناس لا يعملون بها . فقال : الله المستعان .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا سليمان بن بلال ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة عن ابن عباس ; أن رجلين سألاه عن الاستئذان في الثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن ، فقال ابن عباس : إن الله ستير يحب الستر ، كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حجال في بيوتهم ، فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه في حجره ، وهو على أهله ، فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمى الله . ثم جاء الله بعد بالستور ، فبسط [ الله ] عليهم الرزق ، فاتخذوا الستور واتخذوا الحجال ، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به .

وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ، ورواه أبو داود ، عن القعنبي ، عن الدراوردي ، عن عمرو بن أبي عمرو به .

وقال السدي : كان أناس من الصحابة ، رضي الله عنهم ، يحبون أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلاة ، فأمرهم الله أن يأمروا المملوكين والغلمان ألا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا بإذن .

وقال مقاتل بن حيان : بلغنا - والله أعلم - أن رجلا من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرشدة صنعا للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ، فجعل الناس يدخلون بغير إذن ، فقالت أسماء : يا رسول الله ، ما أقبح هذا! إنه ليدخل على المرأة وزوجها وهما في ثوب واحد ، غلامهما بغير إذن! فأنزل الله في ذلك : ( يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم [ ثلاث مرات ] ) الآية .

ومما يدل على أنها محكمة لم تنسخ ، قوله : ( كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ) .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022