يخبر تعالى أنه لا يظلم عبدا من عباده يوم القيامة مثقال حبة خردل ولا مثقال ذرة ، بل يوفيها به ويضاعفها له إن كانت حسنة ، كما قال تعالى ( ونضع الموازين القسط [ ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ] ) [ الأنبياء : 47 ] وقال تعالى مخبرا عن لقمان أنه قال : ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله [ إن الله لطيف خبير ] ) [ لقمان : 16 ] وقال تعالى : ( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم . فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )
وفي الصحيحين ، من حديث زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل ، وفيه : فيقول الله عز وجل : " ارجعوا ، فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، فأخرجوه من النار " . وفي لفظ : " أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه من النار ، فيخرجون خلقا كثيرا " ثم يقول أبو سعيد : اقرؤوا إن شئتم : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة [ وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ] ) .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن هارون بن عنترة عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان قال : قال عبد الله بن مسعود : يؤتى بالعبد والأمة يوم القيامة ، فينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين : هذا فلان بن فلان ، من كان له حق فليأت إلى حقه . فتفرح المرأة أن يكون لها الحق على أبيها أو أخيها أو زوجها . ثم قرأ : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ المؤمنون : 101 ] فيغفر الله من حقه ما يشاء ، ولا يغفر من حقوق الناس شيئا ، فينصب للناس فينادى : هذا فلان بن فلان ، من كان له حق فليأت إلى حقه . فيقول : رب ، فنيت الدنيا ، من أين أوتيهم حقوقهم ؟ قال : خذوا من أعماله الصالحة ، فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته فإن كان وليا لله ففضل له مثقال ذرة ، ضاعفها الله له حتى يدخله بها الجنة ، ثم قرأ علينا : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ) قال : ادخل الجنة ; وإن كان عبدا شقيا قال الملك : رب فنيت حسناته ، وبقي طالبون كثير ؟ فيقول : خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ، ثم صكوا له صكا إلى النار .
ورواه ابن جرير من وجه آخر ، عن زاذان - به نحوه . ولبعض هذا الأثر شاهد في الحديث الصحيح .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا فضيل - يعني ابن مرزوق - عن عطية العوفي ، حدثني عبد الله بن عمر قال : نزلت هذه الآية في الأعراب : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) [ الأنعام : 160 ] قال رجل : فما للمهاجرين يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : ما هو أفضل من ذلك : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) .
وحدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني عبد الله بن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير في قوله ( وإن تك حسنة يضاعفها ) فأما المشرك فيخفف عنه العذاب يوم القيامة ، ولا يخرج من النار أبدا . وقد استدل له بالحديث الصحيح أن العباس قال : يا رسول الله ، إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعته بشيء ؟ قال : " نعم هو في ضحضاح من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك من النار " .
وقد يكون هذا خاصا بأبي طالب من دون الكفار ، بدليل ما رواه أبو داود الطيالسي في سننه حدثنا عمران ، حدثنا قتادة ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يظلم المؤمن حسنة ، يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة " .
وقال أبو هريرة ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن وقتادة والضحاك ، في قوله : ( ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) يعني : الجنة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا سليمان - يعني ابن المغيرة - عن علي بن زيد ، عن أبي عثمان قال : بلغني عن أبي هريرة أنه قال : بلغني أن الله تعالى يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة . قال : فقضي أني انطلقت حاجا أو معتمرا ، فلقيته فقلت : بلغني عنك حديث أنك تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يعطى عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة " قال أبو هريرة : لا بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله عز وجل يعطيه ألفي ألف حسنة " ثم تلا ( يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) فمن يقدره قدره .
رواه الإمام أحمد فقال : حدثنا يزيد ، حدثنا مبارك بن فضالة ، عن علي بن زيد ، عن أبي عثمان قال : أتيت أبا هريرة فقلت له : بلغني أنك تقول : إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة ؟ قال : وما أعجبك من ذلك ؟ فوالله لقد سمعت - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - كذا قال أبي - يقول : " إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة " .
علي بن زيد في أحاديثه نكارة ، فالله أعلم .