قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) وقوله ( أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) [ الشورى : 13 ] ، ونحو هذا في القرآن ، قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة ، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة ، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا . قاله مجاهد ، وغير واحد .
وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا الأسود بن عامر : شاذان ، حدثنا أبو بكر - هو ابن عياش - عن عاصم - هو ابن أبي النجود - عن أبي وائل ، عن عبد الله - هو ابن مسعود ، رضي الله عنه - قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ، ثم قال : " هذا سبيل الله مستقيما " وخط على يمينه وشماله ، ثم قال : " هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه " ثم قرأ : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) .
وكذا رواه الحاكم ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن أبي بكر بن عياش ، به . وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وهكذا رواه أبو جعفر الرازي ، وورقاء وعمرو بن أبي قيس ، عن عاصم ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن ابن مسعود به مرفوعا نحوه .
وكذا رواه يزيد بن هارون ومسدد والنسائي ، عن يحيى بن حبيب بن عربي - وابن حبان ، من حديث ابن وهب - أربعتهم عن حماد بن زيد ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، به .
وكذا رواه ابن جرير ، عن المثنى ، عن الحماني ، عن حماد بن زيد ، به .
ورواه الحاكم عن أبي بكر بن إسحاق ، عن إسماعيل بن إسحاق القاضي ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، به كذلك . وقال : صحيح ولم يخرجاه .
وقد روى هذا الحديث النسائي والحاكم ، من حديث أحمد بن عبد الله بن يونس ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود . به مرفوعا .
وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث يحيى الحماني ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، به .
فقد صححه الحاكم كما رأيت من الطريقين ، ولعل هذا الحديث عند عاصم بن أبي النجود ، عن زر ، وعن أبي وائل شقيق بن سلمة كلاهما عن ابن مسعود ، به ، والله أعلم .
قال الحاكم : وشاهد هذا الحديث حديث الشعبي عن جابر ، من وجه غير معتمد .
يشير إلى الحديث الذي قال الإمام أحمد ، وعبد بن حميد جميعا - واللفظ لأحمد - حدثنا عبد الله بن محمد - وهو أبو بكر بن أبي شيبة - أنبأنا أبو خالد الأحمر ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فخط خطا هكذا أمامه ، فقال : " هذا سبيل الله " وخطين عن يمينه ، وخطين عن شماله ، وقال : " هذه سبيل الشيطان " ثم وضع يده في الخط الأوسط ، ثم تلا هذه الآية : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) .
ورواه ابن ماجه في كتاب السنة من سننه ، والبزار عن أبي سعيد بن عبد الله بن سعيد ، عن أبي خالد الأحمر ، به .
قلت : ورواه الحافظ ابن مردويه من طريقين ، عن أبي سعيد الكندي ، حدثنا أبو خالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ، وخط عن يمينه خطا ، وخط عن يساره خطا ، ووضع يده على الخط الأوسط وتلا هذه الآية : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) .
ولكن العمدة على حديث ابن مسعود ، مع ما فيه من الاختلاف إن كان مؤثرا ، وقد روي موقوفا عليه .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أبان; أن رجلا قال لابن مسعود : ما الصراط المستقيم؟ قال : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه ، وطرفه في الجنة ، وعن يمينه جواد ، وعن يساره جواد ، وثم رجال يدعون من مر بهم . فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار ، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة . ثم قرأ ابن مسعود : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) الآية .
وقال ابن مردويه : حدثنا أبو عمرو ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، حدثنا آدم ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا أبان بن عياش ، عن مسلم بن أبي عمران ، عن عبد الله بن عمر : سأل عبد الله عن الصراط المستقيم ، فقال له ابن مسعود : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه ، وطرفه في الجنة ، وذكر تمام الحديث كما تقدم ، والله أعلم .
وقد روي من حديث النواس بن سمعان نحوه ، قال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء ، حدثنا ليث - يعني ابن سعد - عن معاوية بن صالح ; أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه ، عن أبيه ، عن النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، وعن جنبتي الصراط سوران ، فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : أيها الناس ، ادخلوا الصراط المستقيم جميعا ، ولا تتفرجوا ، وداع يدعو من جوف الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال : ويحك . لا تفتحه ، فإنك إن تفتحه تلجه ، فالصراط الإسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم " .
ورواه الترمذي والنسائي ، عن علي بن حجر - زاد النسائي - وعمرو بن عثمان ، كلاهما عن بقية بن الوليد ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان ، به . وقال الترمذي : حسن غريب .
وقوله : ( فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) إنما وحد سبحانه سبيله لأن الحق واحد; ولهذا جمع لتفرقها وتشعبها ، كما قال تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ البقرة : 257 ] .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم يبايعني على هذه الآيات الثلاث؟ " ثم تلا ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) حتى فرغ من ثلاث الآيات ، ثم قال : " ومن وفى بهن ، أجره على الله ، ومن انتقص منهن شيئا أدركه الله في الدنيا كانت عقوبته ، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء أخذه ، وإن شاء عفا عنه "