تفسير ابن كثير - Ibn-Katheer   سورة  الأنعام الأية 154


سورة Sura   الأنعام   Al-An'aam
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَن تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ۚ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ۗ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)
الصفحة Page 149
ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)

قال ابن جرير : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) تقديره : ثم قل - يا محمد - مخبرا عنا بأنا آتينا موسى الكتاب ، بدلالة قوله : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) .

قلت : وفي هذا نظر ، و " ثم " هاهنا إنما هي لعطف الخبر بعد الخبر ، لا للترتيب هاهنا ، كما قال الشاعر :

قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده

وهاهنا لما أخبر الله تعالى عن القرآن بقوله : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) عطف بمدح التوراة ورسولها ، فقال : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) وكثيرا ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة ، كقوله تعالى : ( ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا ) [ الأحقاف : 12 ] ، وقوله في أول هذه السورة : ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ) [ الآية : 91 ] ، وبعدها ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك ) الآية [ الأنعام : 92 ] ، وقال تعالى مخبرا عن المشركين : ( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ) قال تعالى : ( أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون ) [ القصص : 48 ] ، وقال تعالى مخبرا عن الجن أنهم قالوا : ( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) [ الأحقاف : 30 ] .

وقوله تعالى : ( تماما على الذي أحسن وتفصيلا ) أي : آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تماما كاملا جامعا لجميع ما يحتاج إليه في شريعته ، كما قال : ( وكتبنا له في الألواح من كل شيء ) الآية [ الأعراف : 145 ] .

وقوله : ( على الذي أحسن ) أي : جزاء على إحسانه في العمل ، وقيامه بأوامرنا وطاعتنا ، كقوله : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) [ الرحمن : 60 ] ، وكقوله ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) [ البقرة : 124 ] ، وقوله : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) [ السجدة : 24 ] .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : ( ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ) يقول : أحسن فيما أعطاه الله .

وقال قتادة : من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة .

واختار ابن جرير أن تقدير الكلام : ( ثم آتينا موسى الكتاب تماما ) على إحسانه . فكأنه جعل " الذي " مصدرية ، كما قيل في قوله تعالى : ( وخضتم كالذي خاضوا ) [ التوبة : 69 ] أي : كخوضهم وقال ابن رواحة :

فثبت الله ما آتاك من حسن في المرسلين ونصرا كالذي نصروا

وقال آخرون : " الذي " هاهنا بمعنى " الذين "

قال ابن جرير : وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود : أنه كان يقرؤها : " تماما على الذين أحسنوا "

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تماما على الذي أحسن ) قال : على المؤمنين والمحسنين ، وكذا قال أبو عبيدة . قال البغوي : والمحسنون : الأنبياء والمؤمنون ، يعني : أظهرنا فضله عليهم .

قلت : كما قال تعالى : ( قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ) [ الأعراف : 144 ] ، ولا يلزم اصطفاؤه على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والخليل ، عليهما السلام لأدلة أخر .

قال ابن جرير : وروى أبو عمرو بن العلاء عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرؤها " تماما على الذي أحسن " رفعا ، بتأويل : " على الذي هو أحسن " ، ثم قال : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها ، وإن كان لها في العربية وجه صحيح .

وقيل : معناه : تماما على إحسان الله إليه زيادة على ما أحسن الله إليه ، حكاه ابن جرير ، والبغوي .

ولا منافاة بينه وبين القول الأول ، وبه جمع ابن جرير كما بيناه ، ولله الحمد .

وقوله : ( وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة ) فيه مدح لكتابه الذي أنزله الله عليه ، ( لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون)

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022