هذا السياق هو بسط لقوله تعالى : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) [ البقرة : 65 ] يقول [ الله ] تعالى ، لنبيه صلوات الله وسلامه عليه : ( واسألهم ) أي : واسأل هؤلاء اليهود الذين بحضرتك عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر الله ، ففاجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة ، وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم ; لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم . وهذه القرية هي " أيلة " وهي على شاطئ بحر القلزم .
قال محمد بن إسحاق : عن داود بن الحصين ، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) قال : هي قرية يقال لها " أيلة " بين مدين والطور . وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي .
وقال عبد الله بن كثير القارئ ، سمعنا أنها أيلة . وقيل : هي مدين ، وهو رواية عن ابن عباس وقال ابن زيد : هي قرية يقال لها . " مقنا " بين مدين وعيدوني .
وقوله : ( إذ يعدون في السبت ) أي : يعتدون فيه ويخالفون أمر الله فيه لهم بالوصاة به إذ ذاك . ( إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : أي ظاهرة على الماء .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( شرعا ) من كل مكان .
قال ابن جرير : وقوله : ( ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم ) أي : نختبرهم بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده ، وإخفائه عنهم في اليوم المحلل لهم صيده ( كذلك نبلوهم ) نختبرهم ( بما كانوا يفسقون ) يقول : بفسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها .
وهؤلاء قوم احتالوا على انتهاك محارم الله ، بما تعاطوا من الأسباب الظاهرة التي معناها في الباطن تعاطي الحرام .
وقد قال الفقيه الإمام أبو عبد الله بن بطة ، رحمه الله : حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم ، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل "
وهذا إسناد جيد ، فإن أحمد بن محمد بن مسلم هذا ذكره الخطيب في تاريخه ووثقه ، وباقي رجاله مشهورون ثقات ، ويصحح الترمذي بمثل هذا الإسناد كثيرا .