تفسير ابن كثير - Ibn-Katheer   سورة  مريم الأية 5


سورة Sura   مريم   Maryam
مريم Maryam
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
الصفحة Page 305
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5)

وقوله : ( وإني خفت الموالي من ورائي ) : قرأ الأكثرون بنصب " الياء " من ( الموالي ) على أنه مفعول ، وعن الكسائي أنه سكن الياء ، كما قال الشاعر :

كأن أيديهن في القاع الفرق أيدي جوار يتعاطين الورق

وقال الآخر :

فتى لو يباري الشمس ألقت قناعها أو القمر الساري لألقى المقالدا

ومنه قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي :

تغاير الشعر فيه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل

وقال مجاهد ، وقتادة ، والسدي : أراد بالموالي العصبة . وقال أبو صالح : الكلالة .

وروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه كان يقرؤها : " وإني خفت الموالي من ورائي " بتشديد الفاء بمعنى : قلت عصباتي من بعدي .

وعلى القراءة الأولى ، وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفا سيئا ، فسأل الله ولدا ، يكون نبيا من بعده ، ليسوسهم بنبوته وما يوحى إليه . فأجيب في ذلك ، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله ، فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده أن يأنف من وراثة عصباته له ، ويسأل أن يكون له ولد ، فيحوز ميراثه دونه دونهم . هذا وجه .

الثاني : أنه لم يذكر أنه كان ذا مال ، بل كان نجارا يأكل من كسب يديه ، ومثل هذا لا يجمع مالا ، ولا سيما الأنبياء ، عليهم السلام ، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا .

الثالث : أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح : " نحن معشر الأنبياء لا نورث " وعلى هذا فتعين حمل قوله : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ) على ميراث النبوة; ولهذا قال : ( ويرث من آل يعقوب ) ، كما قال تعالى : ( وورث سليمان داود ) [ النمل : 16 ] أي : في النبوة; إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك ، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة ، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه ، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها ، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022