تفسير ابن كثير - Ibn-Katheer   سورة  مريم الأية 54


سورة Sura   مريم   Maryam
وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩ (58) ۞ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا ۖ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا (63) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)
الصفحة Page 309
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54)

هذا ثناء من الله تعالى على إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليهما السلام ، وهو والد عرب الحجاز كلهم بأنه ) كان صادق الوعد )

قال ابن جريج : لم يعد ربه عدة إلا أنجزها ، يعني : ما التزم قط عبادة بنذر إلا قام بها ، ووفاها حقها .

وقال ابن جرير : حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن سهل بن عقيل حدثه ، أن إسماعيل النبي ، عليه السلام ، وعد رجلا مكانا أن يأتيه ، فجاء ونسي الرجل ، فظل به إسماعيل وبات حتى جاء الرجل من الغد ، فقال : ما برحت من هاهنا ؟ قال : لا . قال : إني نسيت . قال : لم أكن لأبرح حتى تأتيني . فلذلك ( كان صادق الوعد ) .

وقال سفيان الثوري : بلغني أنه أقام في ذلك المكان ينتظره حولا حتى جاءه .

وقال ابن شوذب : بلغني أنه اتخذ ذلك الموضع سكنا .

وقد روى أبو داود في سننه ، وأبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي في كتابه " مكارم الأخلاق " من طريق إبراهيم بن طهمان ، عن عبد الله بن ميسرة ، عن عبد الكريم - يعني : ابن عبد الله بن شقيق - عن أبيه ، عن عبد الله بن أبي الحمساء قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فبقيت له علي بقية ، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك ، قال : فنسيت يومي والغد ، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه ذلك ، فقال لي : " يا فتى ، لقد شققت علي ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك " لفظ الخرائطي ، وساق آثارا حسنة في ذلك .

ورواه ابن منده أبو عبد الله في كتاب " معرفة الصحابة " ، بإسناده عن إبراهيم بن طهمان ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الكريم ، به .

وقال بعضهم : إنما قيل له : ( صادق الوعد ) ; لأنه قال لأبيه : ( ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) [ الصافات : 102 ] ، فصدق في ذلك .

فصدق الوعد من الصفات الحميدة ، كما أن خلفه من الصفات الذميمة ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) الصف : 2 ، 3 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان "

ولما كانت هذه صفات المنافقين ، كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين ، ولهذا أثنى الله على عبده ورسوله إسماعيل بصدق الوعد ، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق الوعد أيضا ، لا يعد أحدا شيئا إلا وفى له به ، وقد أثنى على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب ، فقال : " حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي " . ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال الخليفة أبو بكر الصديق : من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتني أنجز له ، فجاءه جابر بن عبد الله ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قال : " لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا " ، يعني : ملء كفيه ، فلما جاء مال البحرين أمر الصديق جابرا ، فغرف بيديه من المال ، ثم أمره بعده ، فإذا هو خمسمائة درهم ، فأعطاه مثليها معها

وقوله : ( وكان رسولا نبيا ) في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق ; لأنه إنما وصف بالنبوة فقط ، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة . وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل . . . " وذكر تمام الحديث ، فدل على صحة ما قلناه .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022