ال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو داود ، أخبرنا همام ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان بين نوح وآدم عشرة قرون ، كلهم على شريعة من الحق . فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . قال : وكذلك هي في قراءة عبد الله : " كان الناس أمة واحدة فاختلفوا " .
ورواه الحاكم في مستدركه ، من حديث بندار عن محمد بن بشار . ثم قال : صحيح ولم يخرجاه .
وكذا روى أبو جعفر الرازي ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : أنه كان يقرؤها : " كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( كان الناس أمة واحدة ) قال : كانوا على الهدى جميعا ، " فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين منذرين " فكان أول نبي بعث نوحا . وهكذا قال مجاهد ، كما قال ابن عباس أولا .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( كان الناس أمة واحدة ) يقول : كانوا كفارا ، ( فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين )
والقول الأول عن ابن عباس أصح سندا ومعنى ; لأن الناس كانوا على ملة آدم ، عليه السلام ، حتى عبدوا الأصنام ، فبعث الله إليهم نوحا ، عليه السلام ، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض .
ولهذا قال : ( وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم )
أي : من بعد ما قامت عليهم الحجج وما حملهم على ذلك إلا البغي من بعضهم على بعض ، ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )
وقال عبد الرزاق : حدثنا معمر ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة في قوله : ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ) قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، نحن أول الناس دخولا الجنة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه ، فهدانا له فالناس لنا فيه تبع ، فغدا لليهود ، وبعد غد للنصارى " .
ثم رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة .
وقال ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه في قوله : ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ) فاختلفوا في يوم الجمعة ، فاتخذ اليهود يوم السبت ، والنصارى يوم الأحد . فهدى الله أمة محمد ليوم الجمعة . واختلفوا في القبلة ; فاستقبلت النصارى المشرق ، واليهود بيت المقدس ، فهدى الله أمة محمد للقبلة . واختلفوا في الصلاة ; فمنهم من يركع ولا يسجد ، ومنهم من يسجد ولا يركع ، ومنهم من يصلي وهو يتكلم ، ومنهم من يصلي وهو يمشي ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في الصيام ، فمنهم من يصوم بعض النهار ، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في إبراهيم ، عليه السلام ، فقالت اليهود : كان يهوديا ، وقالت النصارى : كان نصرانيا ، وجعله الله حنيفا مسلما ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في عيسى ، عليه السلام ، فكذبت به اليهود ، وقالوا لأمه بهتانا عظيما ، وجعلته النصارى إلها وولدا ، وجعله الله روحه ، وكلمته ، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك .
وقال الربيع بن أنس في قوله : ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ) أي : عند الاختلاف أنهم كانوا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف ، أقاموا على الإخلاص لله عز وجل وحده ، وعبادته لا شريك له ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فأقاموا على الأمر الأول الذي كان قبل الاختلاف ، واعتزلوا الاختلاف ، وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة شهودا على قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم شعيب ، وآل فرعون ، أن رسلهم قد بلغوهم ، وأنهم قد كذبوا رسلهم .
وفي قراءة أبي بن كعب : " وليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " ، وكان أبو العالية يقول : في هذه الآية المخرج من الشبهات والضلالات والفتن .
وقوله : ( بإذنه ) أي : بعلمه ، بما هداهم له . قاله ابن جرير : ( والله يهدي من يشاء ) أي : من خلقه ( إلى صراط مستقيم ) أي : وله الحكم والحجة البالغة . وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول : " اللهم ، رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " . وفي الدعاء المأثور : اللهم ، أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا ووفقنا لاجتنابه ، ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل ، واجعلنا للمتقين إماما .