تفسير ابن كثير - Ibn-Katheer   سورة  البقرة الأية 273


سورة Sura   البقرة   Al-Baqara
وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (270) إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) ۞ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)
الصفحة Page 46
لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)

وقوله : ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) يعني : المهاجرين الذين قد انقطعوا إلى الله وإلى رسوله ، وسكنوا المدينة وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم و ( لا يستطيعون ضربا في الأرض ) يعني : سفرا للتسبب في طلب المعاش . والضرب في الأرض : هو السفر ; قال الله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) [ النساء : 101 ] ، وقال تعالى : ( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله ) الآية [ المزمل : 20 ] .

وقوله : ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) أي : الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء ، من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم . وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته ، عن أبي هريرة قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان ، والأكلة والأكلتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه ، ولا يسأل الناس شيئا " . وقد رواه أحمد ، من حديث ابن مسعود أيضا .

وقوله : ( تعرفهم بسيماهم ) أي : بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم ، كما قال [ الله ] تعالى : ( سيماهم في وجوههم ) [ الفتح : 29 ] ، وقال : ( ولتعرفنهم في لحن القول ) [ محمد : 30 ] . وفي الحديث الذي في السنن : " اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله " ، ثم قرأ : ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) [ الحجر : 75 ] . .

وقوله : ( لا يسألون الناس إلحافا ) أي : لا يلحون في المسألة ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه ، فإن من سأل وله ما يغنيه عن السؤال ، فقد ألحف في المسألة ; قال البخاري :

حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شريك بن أبي نمر : أن عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قالا : سمعنا أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، ولا اللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف ; اقرؤوا إن شئتم يعني قوله : ( لا يسألون الناس إلحافا ) .

وقد رواه مسلم ، من حديث إسماعيل بن جعفر المديني ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار وحده عن أبي هريرة ، به .

وقال أبو عبد الرحمن النسائي : أخبرنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل ، أخبرنا شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان ، إنما المسكين المتعفف ; اقرؤوا إن شئتم : ( لا يسألون الناس إلحافا ) " .

وروى البخاري من حديث شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن أبي الوليد ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس المسكين بالطواف عليكم ، فتطعمونه لقمة لقمة ، إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافا " .

وقال ابن جرير : حدثني معتمر ، عن الحسن بن ماتك عن صالح بن سويد ، عن أبي هريرة قال : ليس المسكين الطواف الذي ترده الأكلة والأكلتان ، ولكن المسكين المتعفف في بيته ، لا يسأل الناس شيئا تصيبه الحاجة ; اقرؤوا إن شئتم : ( لا يسألون الناس إلحافا )

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه ، عن رجل من مزينة ، أنه قالت له أمه : ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى الله عليه سلم كما يسأله الناس ؟ فانطلقت أسأله ، فوجدته قائما يخطب ، وهو يقول : " ومن استعف أعفه الله ، ومن استغنى أغناه الله ، ومن يسأل الناس وله عدل خمس أواق فقد سأل الناس إلحافا " . فقلت بيني وبين نفسي : لناقة لي خير من خمس أواق ، ولغلامه ناقة أخرى فهي خير من خمس أواق فرجعت ولم أسأل .

وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال ، عن عمارة بن غزية ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبيه قال : سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسأله ، فأتيته فقعدت ، قال : فاستقبلني فقال : " من استغنى أغناه الله ، ومن استعف أعفه الله ، ومن استكف كفاه الله ، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف " . قال : فقلت : ناقتي الياقوتة خير من أوقية . فرجعت ولم أسأله .

وهكذا رواه أبو داود والنسائي ، كلاهما عن قتيبة . زاد أبو داود : وهشام بن عمار كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الرجال بإسناده ، نحوه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الجماهير ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال ، عن عمارة بن غزية ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد قال : قال أبو سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل وله قيمة وقية فهو ملحف " والوقية : أربعون درهما .

وقال أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من بني أسد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا " .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن حكيم بن جبير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل وله ما يغنيه ، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو كدوحا في وجهه " . قالوا : يا رسول الله ، وما غناه ؟ قال : " خمسون درهما ، أو حسابها من الذهب " .

وقد رواه أهل السنن الأربعة ، من حديث حكيم بن جبير الأسدي الكوفي . وقد تركه شعبة بن الحجاج ، وضعفه غير واحد من الأئمة من جراء هذا الحديث .

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، حدثني أبي ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين قال : بلغ الحارث رجلا كان بالشام من قريش أن أبا ذر كان به عوز ، فبعث إليه ثلاثمائة دينار ، فقال : ما وجد عبد الله رجلا هو أهون عليه مني ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سأل وله أربعون فقد ألحف " ولآل أبي ذر أربعون درهما وأربعون شاة وماهنان . قال أبو بكر بن عياش : يعني خادمين .

وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا إبراهيم بن محمد ، أنبأنا عبد الجبار ، أخبرنا سفيان ، عن داود بن سابور ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سأل وله أربعون درهما فهو ملحف ، وهو مثل سف الملة " يعني : الرمل .

ورواه النسائي ، عن أحمد بن سليمان ، عن يحيى بن آدم ، عن سفيان وهو ابن عيينة بإسناده نحوه .

قوله : ( وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ) أي : لا يخفى عليه شيء منه ، وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة ، أحوج ما يكونون إليه .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022