أي : اعتذروا بأن في هذه البلدة - التي أمرتنا بدخولها وقتال أهلها - قوما جبارين ، أي : ذوي خلق هائلة ، وقوى شديدة ، وإنا لا نقدر على مقاومتهم ولا مصاولتهم ، ولا يمكننا الدخول إليها ما داموا فيها ، فإن يخرجوا منها دخلناها وإلا فلا طاقة لنا بهم .
وقد قال ابن جرير : حدثني عبد الكريم بن الهيثم حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان قال : قال أبو سعيد قال عكرمة عن ابن عباس قال : أمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين . قال : فسار موسى بمن معه حتى نزل قريبا من المدينة - وهي أريحا - فبعث إليهم اثني عشر عينا ، من كل سبط منهم عين ، ليأتوه بخبر القوم . قال : فدخلوا المدينة فرأوا أمرا عظيما من هيئتهم وجثثهم وعظمهم ، فدخلوا حائطا لبعضهم ، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه ، فجعل يجتني الثمار . وينظر إلى آثارهم ، فتتبعهم فكلما أصاب واحدا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة ، حتى التقط الاثني عشر كلهم ، فجعلهم في كمه مع الفاكهة ، وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه فقال لهم الملك : قد رأيتم شأننا وأمرنا ، فاذهبوا فأخبروا صاحبكم . قال : فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم .
وفي هذا الإسناد نظر .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : لما نزل موسى وقومه ، بعث منهم اثني عشر رجلا - وهم النقباء الذين ذكر الله ، فبعثهم ليأتوه بخبرهم ، فساروا ، فلقيهم رجل من الجبارين ، فجعلهم في كسائه ، فحملهم حتى أتى بهم المدينة ، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه ، فقالوا : من أنتم؟ قالوا : نحن قوم موسى ، بعثنا نأتيه بخبركم . فأعطوهم حبة من عنب تكفي الرجل ، فقالوا لهم : اذهبوا إلى موسى وقومه فقولوا لهم : اقدروا قدر فاكهتهم فلما أتوهم قالوا : يا موسى ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون )
رواه ابن أبي حاتم ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهاد حدثني يحيى بن عبد الرحمن قال : رأيت أنس بن مالك أخذ عصا ، فذرع فيها بشيء ، لا أدري كم ذرع ، ثم قاس بها في الأرض خمسين أو خمسا وخمسين ، ثم قال : هكذا طول العماليق .
وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا أخبارا من وضع بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبارين ، وأنه كان فيهم عوج بن عنق بنت آدم عليه السلام ، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع ، تحرير الحساب ! وهذا شيء يستحى من ذكره . ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله [ تعالى ] خلق آدم وطوله ستون ذراعا ، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن " .
ثم قد ذكروا أن هذا الرجل كان كافرا ، وأنه كان ولد زنية ، وأنه امتنع من ركوب السفينة ، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته وهذا كذب وافتراء ، فإن الله ذكر أن نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين ، فقال ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) [ نوح : 26 ] وقال تعالى : ( فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين ) [ الشعراء : 119 - 120 ] وقال تعالى : [ قال ] ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) [ هود : 43 ] وإذا كان ابن نوح الكافر غرق ، فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر وولد زنية؟! هذا لا يسوغ في عقل ولا شرع . ثم في وجود رجل يقال له : " عوج بن عنق نظر والله أعلم.