تفسير الطبري - Al-Tabari   سورة  الأنفال الأية 46


سورة Sura   الأنفال   Al-Anfaal
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ۙ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52)
الصفحة Page 183
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)

القول في تأويل قوله : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا، أيها المؤمنون، ربَّكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه, ولا تخالفوهما في شيء = " ولا تنازعوا فتفشلوا "، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم (1) = " فتفشلوا ", يقول: فتضعفوا وتجبنوا, (2) = " وتذهب ريحكم " .

* * *

وهذا مثلٌ. يقال للرجل إذا كان مقبلا ما يحبه ويُسَرّ به (3) " الريح مقبلةٌ عليه ", يعني بذلك: ما يحبه, ومن ذلك قول عبيد بن الأبرص:

كَمَـا حَمَيْنَـاكَ يَـوْمَ النَّعْفِ مِنْ شَطَبٍ

وَالفَضْـلُ لِلقَـوْمِ مِـنْ رِيحٍ وَمِنْ عَدَدِ (4)

يعني: من البأس والكثرة. (5)

* * *

وإنما يراد به في هذا الموضع: وتذهب قوتكم وبأسكم، فتضعفوا ويدخلكم الوهن والخلل.

* * *

=" واصبروا " ، يقول: اصبروا مع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عند لقاء عدوكم, ولا تنهزموا عنه وتتركوه = " إن الله مع الصابرين " ، يقول: اصبروا فإني معكم. (6)

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16163- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: " وتذهب ريحكم " ، قال: نصركم. قال: وذهبت ريحُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، (7) حين نازعوه يوم أحد.

16164- حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وتذهب ريحكم " ، فذكر نحوه.

16165- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه= إلا أنه قال: ريح أصحاب محمد حين تركوه يوم أحد.

16166 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " ، قال: حَدُّكم وجِدُّكم. (8)

16167 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " وتذهب ريحكم " ، قال: ريح الحرب.

16168 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وتذهب ريحكم " ، قال: " الريح "، النصر، لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدو, فإذا كان ذلك لم يكن لهم قِوَام.

16169 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: " ولا تنازعوا فتفشلوا " ، أي: لا تختلفوا فيتفرق أمركم= " وتذهب ريحكم " ، فيذهب حَدُّكم (9) = " واصبروا إن الله مع الصابرين " ، أي: إني معكم إذا فعلتم ذلك. (10)

16170 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد, في قوله: " ولا تنازعوا فتفشلوا "، قال: الفشل، الضعف عن جهاد عدوه والانكسار لهم, فذلك " الفشل ".

--------------

الهوامش :

(1) انظر تفسير " التنازع " فيما سلف ص : 569 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .

(2) انظر تفسير " الفشل " ص : 569 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .

(3) في المطبوعة : " مقبلا عليه ما يحبه " ، زاد " عليه " ، وليست في المخطوطة .

(4) ديوانه : 49 ، من أبيات قبله ، يقول :

دَعَــا مَعَاشِـرَ فَاسْـتَكَّتْ مَسَـامِعُهُمْ

يَـا لَهْـفَ نَفْسِـي لَـوْ تَدْعُو بَني أَسَدٍ

لا يَدَّعُــونَ إذَا خَــامَ الكُمَــاةُ ولا

إذَا السُّــيُوفُ بِـأَيْدِي القَـوْمِ كـالْوَقْدِ

لَـوْ هُـمْ حُمَـاتُكَ بالمحْمَى حَمَوْكَ وَلَمْ

تُـتْرَكْ لِيَـوْمٍ أقَـامَ النَّـاسَ فــي كَبَدِ

كَمَــا حَمَيْنَـاكَ . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . .. . . . .

والبيت الثاني من هذه الأبيات جاء في مخطوطة الديوان : " لا يدَّعوا إذا حام الكماة ولا إذا .. " ، فصححه الناشر المستشرق " تدعوا إذن حامي الكماة لا كسلا " ، فجاء بالغثاثة كلها في شطر واحد . فيصحح كما أثبته . ويعني بقوله : " لا يدعون إذا خام الكماة " ، أي : لا يتنادون بترك الفرار ، و " خام " نكص ، كما قال الآخر :

تَنَـادَوْا : يَـا آلَ عَمْـروٍ لا تَفِـرُّوا!

فَقُلْنَــا : لا فِــرَارَ ولا صُــدُودَا

و " النعف " ، ما انحدر من حزونة الجبل . و " شطب " جبل في ديار بني أسد .

(5) في المخطوطة : " من الناس " ، والصواب ما في المطبوعة .

(6) انظر تفسير " مع " فيما سلف ص : 455 ، تعليق : 4 ، المراجع هناك .

(7) في المطبوعة : " أصحاب رسول الله " ، وأثبت ما في المخطوطة .

(8) في المطبوعة : " حربكم وجدكم " ، وهي في المخطوطة توشك أن تقرأ كما قرأها ، ولكن الكتابة تدل على أنه أراد " حدكم " ، و " الحد " بأس الرجل ونفاذه في نجدته . يقال : " فلان ذو حد " ، أي بأس ونجدة . ولو قرئت : " وحدتكم " ، كان صوابًا ، " الحد " ، و " الحدة " ( بكسر الحاء ) ، واحد . وانظر التعليق التالي .

(9) في المطبوعة : " جدكم "، بالجيم ، والصواب ما في سيرة ابن هشام ، وفيها " حدتكم " ، وفي مخطوطاتها " حدكم " ، وهما بمعنى ، كما أسلفت في التعليق قبله .

(10) الأثر : 16169 - سيرة ابن هشام 2 : 329 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16162.

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022