تفسير الطبري - Al-Tabari   سورة  يونس الأية 89


سورة Sura   يونس   Yunus
قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89) ۞ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)
الصفحة Page 219
قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89)

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عن إجابته لموسى صلى الله عليه وسلم وهارون دعاءهما على فرعون وأشراف قومه وأموالهم. يقول جل ثناؤه: (قال) الله لهما : (قد أجيبت دعوتكما) ، في فرعون وملئه وأموالهم.

* * *

فإن قال قائل: وكيف نسبت " الإجابة " إلى اثنين و " الدعاء "، إنما كان من واحد ؟

قيل: إن الداعي وإن كان واحدًا ، فإن الثاني كان مؤمِّنًا، وهو هارون، فلذلك نسبت الإجابة إليهما، لأن المؤمِّن داعٍ. (1) وكذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

17847- حدثني محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن رجل، عن عكرمة في قوله: (قد أجيبت دعوتكما) ، قال: كان موسى يدعو، وهارون يؤمن، فذلك قوله: (قد أجيبت دعوتكما).

* * *

وقد زعم بعض أهل العربية ، أن العرب تخاطب الواحد خطاب الاثنين، وأنشد في ذلك: (2)

فَقُلْـــتُ لِصَــاحِبي لا تُعْجَلانَــا

بِــنزعِ أُصُولِــهِ وَاجْــتَزَّ شِـيحَا (3)

* * *

17848- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زكريا بن عدي، عن ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح قال: (قد أجيبت دعوتكما) قال: دعا موسى، وأمن هارون.

17849- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي وزيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب قال: دعا موسى، وأمَّن هارون.

17850-. . . . قال: حدثنا أبو معاوية، عن شيخ له، عن محمد بن كعب قال: دعا موسى وأمّن هارون.

17851- حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: (قد أجيبت دعوتكما) ، قال: دعا موسى، وأمن هارون.

17852- قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد، وعبد الله بن أبي جعفر، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، قال: دعا موسى وأمَّن هارون، فذلك قوله: (قد أجيبت دعوتكما).

17853- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن رجل، عن عكرمة في قوله: " قد أجيبت دعوتكما " قال: كان موسى يدعو وهارون يؤمّن، فذلك قوله : (قد أجيبت دعوتكما).

17854- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: (قد أجيبت دعوتكما) لموسى وهارون ، قال ابن جريج: قال عكرمة: أمّن هارون على دعاء موسى فقال الله: (قد أجيبت دعوتكما فاستقيما).

17855- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: كان هارون يقول: آمين فقال الله: (قد أجيبت دعوتكما) فصار التأمين دعوة صار شريكه فيها.

* * *

وأما قوله: (فاستقيما) ، فإنه أمرٌ من الله تعالى لموسى وهارون بالاستقامة والثبات على أمرهما ، من دعاء فرعون وقومه إلى الإجابة إلى توحيد الله وطاعته، إلى أن يأتيهم عقاب الله الذي أخبرهما أنه أجَابَهما فيه ، (4) كما:-

17856- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس: (فاستقيما) : فامضيا لأمري، وهي الاستقامة ، قال ابن جريج : يقولون: إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة. (5)

* * *

وقوله: (ولا تتبعانّ سبيل الذين لا يعلمون) ، (6) يقول: ولا تسلكانّ طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي، فتستعجلان قضائي، فإن وعْدي لا خلف له، وإن وعيدي نازلٌ بفرعون وعذابي واقع به وبقومه.

-------------------------

الهوامش :

(1) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 478 .

(2) هو مضرس بن ربعى الأسدي .

(3) الصاحبي : 186 ، ابن يعيش 10 : 49 ، واللسان ( جزز ) ، وسيأتي في التفسير 26 : 103 ، ( بولاق ) . من كلمة له ، لم أجدها مجموعة في مكان ، ومنها أبيات في حماسة ابن الشجري 27 ، 204 ، يقولها في الشواء ، يقول قبل البيت :

وَفِتْيَــانٍ شَــوَيْتُ لَهُــمْ شِــوَاءً

سَــريعَ الشَّــيِّ كـنْتُ بِـهِ نَجِيحَـا

فَطِــرْتُ بِمُنْصُــلِي فـي يَعْمَـلاَتٍ

دَوَامِــي الأَيْــدِ يَخْـبِطْنَ السَّـرِيحَا

وقُلْــتُ لِصَــاحِبي : لا تَحْبِسَــانَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ويروى " لا تحبسنا " ، ولا شاهد فيها ، ويروى " واجدز " ( بتشديد الزاي ) وقلب " التاء دالا ، ورواية الطبري الآتية : " لا تحبسانا " أيضًا .

" النجيح " : المجد السريع . واليعملات : النوق . و" الدوامي " : قد دميت أيديها من طول السير وشدته . و" السريح " : خرق أو جلود تشد على أخفاف الإبل إذا دميت . ويقول لصاحبه : لا تحبسنا عن الشيء ، أو : لا تجعلنا نعجل عليك بالدعاء ، بطول تلبثك في نزع الحطب من أصوله ، بل خذ ما من تيسر قضبانه وعيدانه ، وائتنا به لنشوي .

(4) انظر تفسير " الاستقامة " ، فيما سلف من فهارس اللغة ( قوم ) .

(5) هكذا في المطبوعة والدر المنثور : " بعد هذه الدعوة " ، وفي المخطوطة : " بعد هذه الآية " ، إلا أن " الآية " سيئة الكتابة .

(6) انظر تفسير " اتبع " و " السبيل " فيما سلف من فهارس اللغة ( اتبع ) ، ( سبل ) . وما سيأتي بعد قليل في تفسير الآية التالية .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022