حرمت عليكم الميتة
القول في تأويل قوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } يعني بذلك جل ثناؤه : حرم الله عليكم أيها المؤمنون الميتة , والميتة : كل ما له نفس سائلة من دواب البر وطيره , مما أباح الله أكلها , وأهليها ووحشيها , فارقتها روحها بغير تذكية . وقد قال بعضهم : الميتة : هو كل ما فارقته الحياة من دواب البر وطيره بغير تذكية مما أحل الله أكله . وقد بينا العلة الموجبة صحة القول بما قلنا في ذلك في كتابنا : كتاب " لطيف القول في الأحكام " .والدم
وأما الدم : فإنه الدم المسفوح دون ما كان منه غير مسفوح ; لأن الله جل ثناؤه قال : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير } فأما ما كان قد صار في معنى اللحم كالكبد والطحال , وما كان في اللحم غير منسفح , فإن ذلك غير حرام , لإجماع الجميع على ذلك .ولحم الخنزير
وأما قوله : { ولحم الخنزير } فإنه يعني : وحرم عليكم لحم الخنزير , أهليه وبريه . فالميتة والدم مخرجهما في الظاهر مخرج عموم , والمراد منهما الخصوص وأما لحم الخنزير , فإن ظاهره كباطنه وباطنه كظاهره , حرام جميعه لم يخصص منه شيء .وما أهل لغير الله به
وأما قوله : { وما أهل لغير الله به } فإنه يعني : وما ذكر عليه غير اسم الله . وأصله من استهلال الصبي وذلك إذا صاح حين يسقط من بطن أمه , ومنه إهلال المحرم بالحج إذا لبى به , ومنه قول ابن أحمر : يهل بالفرقد ركبانها كما يهل الراكب المعتمر وإنما عنى بقوله : { وما أهل لغير الله به } وما ذبح للآلهة وللأوثان يسمى عليه غير اسم الله . وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل , وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فيما مضى فكرهنا إعادته .والمنخنقة
القول في تأويل قوله تعالى : { والمنخنقة } اختلفت أهل التأويل في صفة الانخناق الذي عنى الله جل ثناؤه بقوله { والمنخنقة } فقال بعضهم بما : 8648 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { والمنخنقة } قال : التي تدخل رأسها بين شعبتين من شجرة , فتختنق فتموت . 8649 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك , في المنخنقة , قال : التي تختنق فتموت . 8650 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : حدثنا معمر , عن قتادة في قوله : { والمنخنقة } التي تموت في خناقها . وقال آخرون : هي التي توثق فيقتلها بالخناق وثاقها . ذكر من قال ذلك : 8651 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { والمنخنقة } قال : الشاة توثق , فيقتلها خناقها , فهي حرام . وقال آخرون : بل هي البهيمة من النعم , كان المشركون يخنقونها حتى تموت , فحرم الله أكلها . ذكر من قال ذلك : 8652 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { والمنخنقة } التي تخنق فتموت . 8653 - حدثنا بشر قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والمنخنقة } كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة , حتى إذا ماتت أكلوها . وأولى هذه الأقوال بالصواب , قول من قال : هي التي تختنق , إما في وثاقها , وإما بإدخال رأسها في الموضع الذي لا تقدر على التخلص منه فتختنق حتى تموت . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك من غيره ; لأن المنخنقة : هي الموصوفة بالانخناق دون خنق غيرها لها , ولو كان معنيا بذلك أنها مفعول بها لقيل : والمخنوقة , حتى يكون معنى الكلام ما قالوا .والموقوذة
القول في تأويل قوله تعالى : { والموقوذة } يعني جل ثناؤه بقوله { والموقوذة } والميتة وقيذا , يقال منه : وقذه يقذه وقذا : إذا ضربه حتى أشرف على الهلاك , ومنه قول الفرزدق : شغارة تقذ الفصيل برجلها فطارة لقوادم الأبكار وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8654 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { والموقوذة } قال : الموقوذة التي تضرب بالخشب حتى يقذها فتموت . 8655 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال ثنا سعيد , عن قتادة : { والموقوذة } كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصا , حتى إذا ماتت أكلوها . * - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا روح , قال : ثنا شعبة , عن قتادة في قوله : { والموقوذة } قال : كانوا يضربونها حتى يقذوها , ثم يأكلوها . * - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { والموقوذة } التي توقذ فتموت . 8656 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك , قال : { الموقوذة } التي تضرب حتى تموت . 8657 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن مفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { والموقوذة } قال : هي التي تضرب فتموت . 8658 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سلمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { والموقوذة } كانت الشاة أو غيرها من الأنعام تضرب بالخشب لآلهتهم حتى يقتلوها فيأكلوها . * - حدثنا العباس بن الوليد , قال : أخبرني عقبة بن علقمة , ثني إبراهيم بن أبي عبلة , قال : ثني نعيم بن سلامة , عن أبي عبد الله الصنابحي , قال : ليست الموقوذة إلا في مالك , وليس في الصيد وقيذ .والمتردية
القول في تأويل قوله تعالى : { والمتردية } يعني بذلك جل ثناؤه : وحرمت عليكم الميتة ترديا من جبل , أو في بئر , أو غير ذلك . وترديها : رميها بنفسها من مكان عال مشرف إلى سفله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8659 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { والمتردية } قال : التي تتردى من الجبل . 8660 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والمتردية } كانت تتردى في البئر فتموت فيأكلونها . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا روح , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والمتردية } قال : التي تردت في البئر . 8661 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي في قوله : { والمتردية } قال : هي التي تردى من الجبل أو في البئر , فتموت . 8662 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك : { والمتردية } التي تردى من الجبل فتموت . 8663 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , يقول : ثنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { والمتردية } قال : التي تخر في ركي أو من رأس جبل فتموت .والنطيحة
القول في تأويل قوله تعالى : { والنطيحة } يعني بقوله { النطيحة } الشاة التي تنطحها أخرى فتموت من النطاح بغير تذكية , فحرم الله جل ثناؤه ذلك على المؤمنين إن لم يدركوا ذكاته قبل موته . وأصل النطيحة : المنطوحة , صرفت من مفعولة إلى فعيلة . فإن قال قائل : وكيف أثبتت الهاء هاء التأنيث فيها , وأنت تعلم أن العرب لا تكاد تثبت الهاء في نظائرها إذا صرفوها صرف النطيحة من مفعول إلى فعيل , إنما تقول : لحية دهين , وعين كحيل , وكف خضيب , ولا يقولون كف خضيبة ولا عين كحيلة ؟ قيل : قد اختلفت أهل العربية في ذلك , فقال بعض نحويي البصرة : أثبتت فيها الهاء , أعني في النطيحة ; لأنها جعلت كالاسم مثل الطويلة والطريقة فكأن قائل هذا القول وجه النطيحة إلى معنى الناطحة . فتأويل الكلام على مذهبه : وحرمت عليكم الميتة نطاحا , كأنه عنى : وحرمت عليكم الناطحة التي تموت من نطاحها . وقال بعض نحويي الكوفة : إنما تحذف العرب الهاء من الفعيلة المصروفة عن المفعول إذا جعلتها صفة لاسم , قد تقدمها , فتقول : رأينا كفا خضيبا وعينا كحيلا . فأما إذا حذفت الكف والعين والاسم الذي يكون فعيل نعتا لها واجتزءوا بفعيل منها , أثبتوا فيه هاء التأنيث , ليعلم بثبوتها فيه أنها صفة للمؤنث دون المذكر , فتقول : رأينا كحيلة وخضيبة وأكيلة السبع , قالوا : ولذلك أدخلت الهاء في النطيحة ; لأنها صفة المؤنث , ولو أسقطت منها لم يدر أهي صفة مؤنث أو مذكر . وهذا القول هو أولى القولين في ذلك بالصواب الشائع من أقوال أهل التأويل , بأن معنى النطيحة : المنطوحة . ذكر من قال ذلك : 8664 - حدثني المثنى , قال ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن أبي عباس , قوله : { والنطيحة } قال : الشاة تنطح الشاة . 8665 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , عن قيس , عن أبي إسحاق , عن أبي ميسرة , قال : كان يقرأ : " والمنطوحة " . 8666 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك : { والنطيحة } الشاتان تنتطحان فتموتان . 8667 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { والنطيحة } هي التي تنطحها الغنم والبقر فتموت . يقول : هذا حرام ; لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه . 8668 - حدثنا بشر , قال ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والنطيحة } كان الكبشان ينتطحان , فيموت أحدهما , فيأكلونه . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا روح , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والنطيحة } الكبشان ينتطحان فيقتل أحدهما الآخر , فيأكلونه . * - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { والنطيحة } قال : الشاة تنطح الشاة فتموت .وما أكل السبع
القول في تأويل قوله تعالى : { وما أكل السبع } يعني جل ثناؤه بقوله : { وما أكل السبع } وحرم عليكم ما أكل السبع غير المعلم من الصوائد . وكذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8669 - حدثني المثنى , قال ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { وما أكل السبع } يقول : ما أخذ السبع . 8670 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك : { وما أكل السبع } يقول : ما أخذ السبع . 8671 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { وما أكل السبع } قال : كان أهل الجاهلية إذا قتل السبع شيئا من هذا أو أكل منه , أكلوا ما بقي . 8672 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , عن قيس , عن عطاء بن السائب , عن أبي الربيع , عن ابن عباس أنه قرأ : " وأكيل السبع " .إلا ما ذكيتم
القول في تأويل قوله تعالى : { إلا ما ذكيتم } يعني جل ثناؤه بقوله : { إلا ما ذكيتم } إلا ما طهرتموه بالذبح الذي جعله الله طهورا . ثم اختلف أهل التأويل فيما استثنى الله بقوله : { إلا ما ذكيتم } فقال بعضهم : استثنى من جميع ما سمى الله تحريمه , من قوله { وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع } ذكر من قال ذلك : 8673 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { إلا ما ذكيتم } يقول : ما أدركت ذكاته من هذا كله , يتحرك له ذنب أو تطرف له عين , فاذبح واذكر اسم الله عليه فهو حلال . 8674 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن فضيل , عن أشعث , عن الحسن : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } قال الحسن : أي هذا أدركت ذكاته فذكه وكل . فقلت : يا أبا سعيد كيف أعرف ؟ قال : إذا طرفت بعينها أو ضربت بذنبها . 8675 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { إلا ما ذكيتم } قال : فكل هذا الذي سماه الله عز وجل هاهنا ما خلا لحم الخنزير إذا أدركت منه عينا تطرف أو ذنبا يتحرك أو قائمة تركض , فذكيته , فقد أحل الله لك ذلك . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { إلا ما ذكيتم } من هذا كله , فإذا وجدتها تطرف عينها , أو تحرك أذنها من هذا كله , فهي لك حلال . 8676 - حدثنا حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني هشيم وعباد , قالا : أخبرنا حجاج , عن حصين , عن الشعبي , عن الحارث , عن علي , قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها . 8677 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا معمر , عن إبراهيم , قال : إذا أكل السبع من الصيد أو الوقيذة , أو النطيحة أو المتردية فأدركت ذكاته , فكل . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا مصعب بن سلام التميمي , قال : ثنا جعفر بن محمد , عن أبيه , عن علي بن أبي طالب , قال : إذا ركضت برجلها أو طرفت بعينها أو حركت ذنبها , فقد أجزأ . 8678 - حدثنا ابن المثنى وابن بشار , قالا : ثنا أبو عاصم , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : أخبرني ابن طاوس , عن أبيه , قال : إذا ذبحت فمصعت بذنبها أو تحركت فقد حلت لك . أو قال : فحسبه . 8679 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا الحجاج بن المنهال , قال : ثنا حماد , عن حميد , عن الحسن , قال : إذا كانت الموقوذة تطرف ببصرها , أو تركض برجلها , أو تمصع بذنبها , فاذبح وكل . * - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , عن قتادة , بمثله . * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن ابن جريج , عن أبي الزبير , أنه سمع عبيد بن عمير , يقول : إذا طرفت بعينها , أو مصعت بذنبها , أو تحركت , فقد حلت لك . 8680 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سلمان , قال : سمعت الضحاك يقول : كان أهل الجاهلية يأكلون هذا , فحرم الله في الإسلام إلا ما ذكي منه , فما أدرك فتحرك منه رجل أو ذنب أو طرف فذكي , فهو حلال . 8681 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } وقوله : { والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة } الآية , { وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } هذا كله محرم , إلا ما ذكي من هذا . فتأويل الآية على قول هؤلاء : حرمت الموقوذة والمتردية إن ماتت من التردي والوقذ والنطح وفرس السبع , إلا أن تدركوا ذكاتها , فتدركوها قبل موتها , فتكون حينئذ حلالا أكلها . وقال آخرون : هو استثناء من التحريم , وليس باستثناء من المحرمات التي ذكرها الله تعالى في قوله : { حرمت عليكم الميتة } لأن الميتة لا ذكاة لها ولا للخنزير . قالوا : وإنما معنى الآية : حرمت عليكم الميتة والدم , وسائر ما سمينا مع ذلك , إلا ما ذكيتم مما أحله الله لكم بالتذكية , فإنه لكم حلال . وممن قال ذلك جماعة من أهل المدينة ذكر بعض من قال ذلك : 8682 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال مالك : وسئل عن الشاة التي يخرق جوفها السبع حتى تخرج أمعاؤها , فقال مالك : لا أرى أن تذكى ولا يؤكل أي شيء يذكى منها . 8683 - حدثني يونس , عن أشهب , قال : سئل مالك , عن السبع يعدو على الكبش , فيدق ظهره , أترى أن يذكى قبل أن يموت فيؤكل ؟ قال : إن كان بلغ السحر , فلا أرى أن يؤكل , وإن كان إنما أصاب أطرافه , فلا أرى بذلك بأسا . قيل له : وثب عليه فدق ظهره ؟ قال : لا يعجبني أن يؤكل , هذا لا يعيش منه . قيل له : فالذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ولا يشق الأمعاء ؟ قال : إذا شق بطنها فلا أرى أن تؤكل . وعلى هذا القول يجب أن يكون قوله : { إلا ما ذكيتم } استثناء منقطعا , فيكون تأويل الآية : حرمت عليكم الميتة والدم , وسائر ما ذكرنا , ولكن ما ذكيتم من الحيوانات التي أحللتها لكم بالتذكية حلال . وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الأول , وهو أن قوله : { إلا ما ذكيتم } استثناء من قوله : { وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع } لأن كل ذلك مستحق الصفة التي هو بها قبل حال موته , فيقال : لما قرب المشركون لآلهتهم فسموه لهم : هو { ما أهل لغير الله به } بمعنى : سمي قربانا لغير الله . وكذلك المنخنقة : إذا انخنقت , وإن لم تمت فهي منخنقة , وكذلك سائر ما حرمه الله جل وعز بعد قوله : { وما أهل لغير الله به } إلا بالتذكية فإنه يوصف بالصفة التي هو بها قبل موته , فحرمه الله على عباده إلا بالتذكية المحللة دون الموت بالسبب الذي كان به موصوفا . فإذ كان ذلك كذلك , فتأويل الآية : وحرم عليكم ما أهل لغير الله به , والمنخنقة , وكذا وكذا وكذا , إلا ما ذكيتم من ذلك ف " ما " إذ كان ذلك تأويله في موضع نصب بالاستثناء مما قبلها , وقد يجوز فيه الرفع . وإذ كان الأمر على ما وصفنا , فكل ما أدركت ذكاته من طائر أو بهيمة قبل خروج نفسه ومفارقة روحه جسده , فحلال أكله إذا كان مما أحله الله لعباده . فإن قال لنا قائل : فإذ كان ذلك معناه عندك , فما وجه تكريره ما كرر بقوله : { وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية } وسائر ما عدد تحريمه في هذه الآية , وقد افتتح الآية بقوله : { حرمت عليكم الميتة } ؟ وقد علمت أن قوله : { حرمت عليكم الميتة } شامل كل ميتة كان موته حتف أنفه , من علة به من غير جناية أحد عليه , أو كان موته من ضرب ضارب إياه , أو انخناق منه أو انتطاح أو فرس سبع ؟ وهلا كان قوله إن كان الأمر على ما وصفت في ذلك من أنه معني بالتحريم في كل ذلك الميتة بالانخناق والنطاح والوقذ وأكل السبع أو غير ذلك , دون أن يكون معنيا به تحريمه إذا تردى أو انخنق , أو فرسه السبع , فبلغ ذلك منه ما يعلم أنه لا يعيش مما أصابه منه إلا باليسير من الحياة ; { حرمت عليكم الميتة } مغنيا من تكرير ما كرر بقوله ; { وما أهل لغير الله به والمنخنقة } وسائر ما ذكر مع ذلك وتعداده ما عدد ؟ قيل : وجه تكراره ذلك وإن كان تحريم ذلك إذا مات من الأسباب التي هو بها موصوف , وقد تقدم بقوله : { حرمت عليكم الميتة } أن الذين خوطبوا بهذه الآية لا يعدون الميتة من الحيوان , إلا ما مات من علة عارضة به , غير الانخناق والتردي والانتطاح , وفرس السبع , فأعلمهم الله أن حكم ذلك حكم ما مات من العلل العارضة , وأن العلة الموجبة تحريم الميتة ليست موتها من علة مرض أو أذى كان بها قبل هلاكها , ولكن العلة في ذلك أنها لم يذبحها من أجل ذبيحته بالمعنى الذي أحلها به . كالذي : 8684 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي في قوله : { والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } يقول : هذا حرام ; لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه ولا يعدونه ميتا , إنما يعدون الميت الذي يموت من الوجع , فحرمه الله عليهم , إلا ما ذكروا اسم الله عليه وأدركوا ذكاته وفيه الروح .وما ذبح على النصب
القول في تأويل قوله تعالى : { وما ذبح على النصب } يعني بقوله جل ثناؤه : { وما ذبح على النصب } وحرم عليكم أيضا الذي ذبح على النصب . ف " ما " في قوله { وما ذبح } رفع عطفا على " ما " التي في قوله : { وما أكل السبع } والنصب : الأوثان من الحجارة جماعة أنصاب كانت تجمع في الموضع من الأرض , فكان المشركون يقربون لها , وليست بأصنام . وكان ابن جريج يقول في صفته ما : 8685 - حدثنا القاسم : قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : النصب : ليست بأصنام , الصنم يصور وينقش , وهذه حجارة تنصب ثلثمائة وستون حجرا , منهم من يقول : ثلثمائة منها لخزاعة . فكانوا إذا ذبحوا , نضحوا الدم على ما أقبل من البيت , وشرحوا اللحم وجعلوه على الحجارة , فقال المسلمون : يا رسول الله , كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم , فنحن أحق أن نعظمه ! فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكره ذلك , فأنزل الله : { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها } ومما يحقق قول ابن جريج في أن الأنصاب غير الأصنام ما : 8686 - حدثنا به ابن وكيع , قال : ثنا ابن عيينة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وما ذبح على النصب } قال : حجارة كان يذبح عليها أهل الجاهلية . * - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { النصب } قال : حجارة حول الكعبة , يذبح عليها أهل الجاهلية , ويبدلونها إن شاءوا بحجارة أعجب إليهم منها . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 8687 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { وما ذبح على النصب } والنصب : حجارة كان أهل الجاهلية يعبدونها , ويذبحون لها , فنهى الله عن ذلك . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { وما ذبح على النصب } يعني : أنصاب الجاهلية . 8688 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { وما ذبح على النصب } والنصب : أنصاب كانوا يذبحون ويهلون عليها . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عنبسة , عن محمد بن عبد الرحمن , عن القاسم بن أبي بزة , عن مجاهد , قوله : { وما ذبح على النصب } قال : كان حول الكعبة حجارة كان يذبح عليها أهل الجاهلية ويبدلونها إذا شاءوا بحجر هو أحب إليهم منها . 8689 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : الأنصاب حجارة كانوا يهلون لها , ويذبحون عليها . 8690 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وما ذبح على النصب } قال : ما ذبح على النصب , وما أهل لغير الله به , وهو واحد .وأن تستقسموا بالأزلام
القول في تأويل قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } يعني بقوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } وأن تطلبوا علم ما قسم لكم أو لم يقسم , بالأزلام . وهو استفعلت من القسم : قسم الرزق والحاجات . وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو نحو ذلك , أجال القداح , وهي الأزلام , وكانت قداحا مكتوبا على بعضها : نهاني ربي , وعلى بعضها : أمرني ربي , فإن خرج القدح الذي هو مكتوب عليه : أمرني ربي , مضى لما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك ; وإن خرج الذي عليه مكتوب : نهاني ربي , كف عن المضي لذلك وأمسك فقيل : { وأن تستقسموا بالأزلام } لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يقسمن لهم . ومنه قول الشاعر مفتخرا بترك الاستقسام بها : ولم أقسم فتربثني القسوم وأما الأزلام , فإن واحدها زلم , ويقال زلم , وهي القداح التي وصفنا أمرها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8691 - حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع , قالا : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , عن سفيان , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : القداح , كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا في سفر , جعلوا قداحا للجلوس والخروج , فإن وقع الخروج خرجوا , وإن وقع الجلوس جلسوا . 8692 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن شريك , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : حصى بيض كانوا يضربون بها . قال أبو جعفر : قال لنا سفيان بن وكيع : هو الشطرنج . 8693 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عباد بن راشد البزار , عن الحسن في قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : كانوا إذا أرادوا أمرا أو سفرا , يعمدون إلى قداح ثلاثة على واحد منها مكتوب : أؤمرني , وعلى الآخر : انهني , ويتركون الآخر محللا بينهما ليس عليه شيء . ثم يجيلونها , فإن خرج الذي عليه " أؤمرني " , مضوا لأمرهم , وإن خرج الذي عليه " انهني " كفوا , وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها . 8694 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن عيينة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وأن تستقسموا بالأزلام } حجارة0 كانوا يكتبون عليها يسمونها القداح . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 8695 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يحيى بن آدم . عن زهير , عن إبراهيم بن مهاجر , عن مجاهد : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : كعاب فارس التي يقمرون بها , وسهام العرب . * - حدثني أحمد بن حازم الغفاري , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا زهير , عن إبراهيم بن مهاجر , عن مجاهد : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : سهام العرب وكعاب فارس والروم كانوا يتقامرون بها . 8696 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافرا , كتب في قداح : هذا يأمرني بالمكث , وهذا يأمرني بالخروج , وجعل معها منيحا , شيء لم يكتب فيه شيئا , ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج , فإن خرج الذي يأمر بالمكث مكث , وإن خرج الذي يأمر بالخروج خرج , وإن خرج الآخر أجالها ثانية حتى يخرج أحد القدحين . * - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { وأن تستقسموا بالأزلام } وكان أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم خروجا , أخذ قدحا فقال : هذا يأمر بالخروج , فإن خرج فهو مصيب في سفره خيرا ; ويأخذ قدحا آخر فيقول : هذا يأمر بالمكوث , فليس يصيب في سفره خيرا ; والمنيح بينهما . فنهى الله عن ذلك , وقدم فيه . 8697 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : كانوا يستقسمون بها في الأمور . 8698 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : الأزلام قداح لهم كان أحدهم إذا أراد شيئا من تلك الأمور كتب في تلك القداح ما أراد , فيضرب بها , فأي قدح خرج وإن كان أبغض تلك , ارتكبه وعمل به . 8699 - حدثني محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال : الأزلام : قداح كانت في الجاهلية عند الكهنة , فإذا أراد الرجل أن يسافر أو يتزوج أو يحدث أمرا , أتى الكاهن , فأعطاه شيئا , فضرب له بها , فإن خرج منها شيء يعجبه أمره ففعل , وإن خرج منها شيء يكرهه نهاه فانتهى , كما ضرب عبد المطلب على زمزم وعلى عبد الله والإبل . 8700 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عبد الله بن كثير , قال : سمعنا أن أهل الجاهلية كانوا يضربون بالقداح في الظعن والإقامة أو الشيء يريدونه , فيخرج سهم الظعن فيظعنون , والإقامة فيقيمون . وقال ابن إسحاق في الأزلام ما : 8701 - حدثني به ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : كانت هبل أعظم أصنام قريش بمكة , وكانت على بئر في جوف الكعبة , وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة , وكانت عند هبل سبعة أقداح , كل قدح منها فيه كتاب : قدح فيه " العقل " إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة فإن خرج العقل فعلى من خرج حمله وقدح فيه : " نعم " للأمر إذا أرادوا يضرب به , فإن خرج قدح " نعم " عملوا به ; وقدح فيه لا , فإذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح , فإذا خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر . وقدح فيه : " منكم " . وقدح فيه : " ملصق " . وقدح فيه : " من غيركم " . وقدح فيه : المياه , إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح , فحيثما خرج عملوا به . وكانوا إذا أرادوا أن يجتبوا غلاما , أو أن ينكحوا منكحا , أو أن يدفنوا ميتا , ويشكوا في نسب واحد منهم , ذهبوا به إلى هبل , وبمائة درهم وبجزور , فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها , ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون , ثم قالوا : يا إلهنا , هذا فلان ابن فلان , قد أردنا به كذا وكذا , فأخرج الحق فيه ! ثم يقولون لصاحب القداح : اضرب , فيضرب , فإن خرج عليه " منكم " كان وسيطا , وإن خرج عليه : " من غيركم " , كان حليفا , وإن خرج : " ملصق " , كان على منزلته منهم , لا نسب له ولا حلف ; وإن خرج فيه شيء سوى هذا مما يعملون به " نعم " عملوا به ; وإن خرج : " لا " , أخروه عامهم ذلك , حتى يأتوا به مرة أخرى ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح . 8702 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } يعني : القدح , كانوا يستقسمون بها في الأمور .ذلكم فسق
القول في تأويل قوله تعالى : { ذلكم فسق } يعني جل ثناؤه بقوله : { ذلكم } هذه الأمور التي ذكرها , وذلك أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وسائر ما ذكر في هذه الآية مما حرم أكله . والاستقسام بالأزلام . { فسق } يعني : خروج عن أمر الله وطاعته إلى ما نهى عنه وزجر , وإلى معصيته . كما : 8703 - حدثني المثنى : قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { ذلكم فسق } يعني : من أكل من ذلك كله , فهو فسق .اليوم يئس الذين كفروا من دينكم
القول في تأويل قوله تعالى : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } . يعني بقوله جل ثناؤه : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } الآن انقطع طمع الأحزاب وأهل الكفر والجحود أيها المؤمنون من دينكم , يقول : من دينكم أن تتركوه , فترتدوا عنه راجعين إلى الشرك . كما : 8704 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : قوله : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } يعني : أن ترجعوا إلى دينهم أبدا . 8705 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قوله : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } قال : أظن يئسوا أن ترجعوا عن دينكم . فإن قال قائل : وأي يوم هذا اليوم الذي أخبر الله أن الذين كفروا يئسوا فيه من دين المؤمنين ؟ قيل : ذكر أن ذلك كان يوم عرفة , عام حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع , وذلك بعد دخول العرب في الإسلام . ذكر من قال ذلك : 8706 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال مجاهد : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } اليوم أكملت لكم دينكم ; هذا حين فعلت . قال ابن جريج : وقال آخرون : ذلك يوم عرفة في يوم جمعة لما نظر النبي صلى الله عليه وسلم , فلم ير إلا موحدا ولم ير مشركا ; حمد الله , فنزل عليه جبريل عليه السلام : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } أن يعودوا كما كانوا . 8707 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } قال : هذا يوم عرفة .فلا تخشوهم واخشون
القول في تأويل قوله تعالى : { فلا تخشوهم واخشون } يعني بذلك : فلا تخشوا أيها المؤمنون هؤلاء الذين قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه من الكفار , ولا تخافوهم أن يظهروا عليكم فيقهروكم ويردوكم عن دينكم , { واخشون } يقول : ولكن خافون إن أنتم خالفتم أمري واجترأتم على معصيتي وتعديتم حدودي , أن أحل بكم عقابي وأنزل بكم عذابي . كما : 8708 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج : { فلا تخشوهم واخشون } فلا تخشوهم أن يظهروا عليكم .اليوم أكملت لكم دينكم
القول في تأويل قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم : يعني جل ثناؤه بقوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } اليوم أكملت لكم أيها المؤمنون فرائضي عليكم وحدودي , وأمري إياكم ونهيي , وحلالي وحرامي , وتنزيلي من ذلك ما أنزلت منه في كتابي , وتبياني ما بينت لكم منه بوحيي على لسان رسولي , والأدلة التي نصبتها لكم على جميع ما بكم الحاجة إليه من أمر دينكم , فأتممت لكم جميع ذلك , فلا زيادة فيه بعد هذا اليوم . قالوا : وكان ذلك في يوم عرفة , عام حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع . وقالوا : لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية شيء من الفرائض ولا تحليل شيء ولا تحريمه , وإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعش بعد نزول هذه الآية إلا إحدى وثمانين ليلة . ذكر من قال ذلك : 8709 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } وهو الإسلام , قال : أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا , وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبدا , وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا . 8710 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } هذا نزل يوم عرفة , فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام , ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات , فقالت أسماء بنت عميس : حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحجة , فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبريل صلى الله عليه وسلم على الراحلة , فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن , فبركت , فأتيته فسجيت عليه برداء كان علي 8711 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : مكث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية إحدى وثمانين ليلة , قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } 8712 - حدثنا سفيان , قال : ثنا ابن فضيل , عن هارون بن عنترة , عن أبيه , قال : لما نزلت : { اليوم أكملت لكم دينكم } وذلك يوم الحج الأكبر , بكى عمر , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك " ؟ قال أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا , فأما إذ كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص , فقال : " صدقت " * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أحمد بن بشير , عن هارون بن أبي وكيع , عن أبيه , فذكر نحو ذلك . وقال آخرون : معنى ذلك : { اليوم أكملت لكم دينكم } حجكم , فأفردتم بالبلد الحرام تحجونه أنتم أيها المؤمنون دون المشركين لا يخالطكم في حجكم مشرك . ذكر من قال ذلك : 8713 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يحيى بن أبي عتبة , عن أبيه , عن الحكم : { اليوم أكملت لكم دينكم } قال : أكمل لهم دينهم أن حجوا ولم يحج معهم مشرك . 8714 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { اليوم أكملت لكم دينكم } قال : أخلص الله لهم دينهم , ونفى المشركين عن البيت . 8715 - حدثنا أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا قيس , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير : { اليوم أكملت لكم دينكم } قال : تمام الحج , ونفي المشركين عن البيت . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله عز وجل أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به , أنه أكمل لهم يوم أنزل هذه الآية على نبيه دينهم , بإفرادهم بالبلد الحرام , وإجلائه عنه المشركين , حتى حجه المسلمون دونهم , لا يخالطونهم المشركون . فأما الفرائض والأحكام , فإنه قد اختلف فيها , هل كانت أكملت ذلك اليوم أم لا ؟ فروي عن ابن عباس والسدي ما ذكرنا عنهما قبل . وروي عن البراء بن عازب أن آخر آية نزلت من القرآن : { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } ولا يدفع ذو علم أن الوحي لم ينقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض , بل كان الوحي قبل وفاته أكثر ما كان تتابعا . فإذ كان ذلك كذلك , وكان قوله : { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } آخرها نزولا وكان ذلك من الأحكام والفرائض , كان معلوما أن معنى قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } على خلاف الوجه الذي تأوله من تأوله , أعني : كمال العبادات والأحكام والفرائض . فإن قال قائل : فما جعل قول من قال : قد نزل بعد ذلك فرض أولى من قول من قال : لم ينزل ؟ قيل لأن الذي قال لم ينزل , مخبر أنه لا يعلم نزول فرض , والنفي لا يكون شهادة , والشهادة قول من قال : نزل , وغير جائز دفع خبر الصادق فيما أمكن أن يكون فيه صادقا .وأتممت عليكم نعمتي
القول في تأويل قوله تعالى : { وأتممت عليكم نعمتي } يعني جل ثناؤه بذلك : وأتممت نعمتي أيها المؤمنون بإظهاركم على عدوي وعدوكم من المشركين , ونفيي إياهم عن بلادكم , وقطعي طمعهم من رجوعكم , وعودكم إلى ما كنتم عليه من الشرك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : * - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قال : كان المشركون والمسلمون يحجون جميعا , فلما نزلت براءة , فنفى المشركين عن البيت , وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين , فكأن ذلك من تمام النعمة : { وأتممت عليكم نعمتي } . 8716 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } الآية , ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة يوم جمعة , حين نفى الله المشركين عن المسجد الحرام , وأخلص للمسلمين حجهم 8717 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , قال : ثنا داود , عن الشعبي , قال : . نزلت هذه الآية بعرفات , حيث هدم منار الجاهلية , واضمحل الشرك , ولم يحج معهم في ذلك العام مشرك . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن عامر في هذه الآية : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفات , وقد أطاف به الناس , وتهدمت منار الجاهلية ومناسكهم , واضمحل الشرك , ولم يطف حول البيت عريان , فأنزل الله : { اليوم أكملت لكم دينكم } * - حدثني يعقوب , قال . ثنا ابن علية , عن داود , عن الشعبي , بنحوه .ورضيت لكم الإسلام دينا
القول في تأويل قوله تعالى : { ورضيت لكم الإسلام دينا } يعني بذلك جل ثناؤه : ورضيت لكم الاستسلام لأمري والانقياد لطاعتي , على ما شرعت لكم من حدوده وفرائضه ومعالمه { دينا } يعني بذلك : طاعة منكم لي . فإن قال قائل : أوما كان الله راضيا الإسلام لعباده , إلا يوم أنزل هذه الآية ؟ قيل : لم يزل الله راضيا لخلقه الإسلام دينا , ولكنه جل ثناؤه لم يزل يصرف نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه في درجات ومراتبه درجة بعد درجة ومرتبة بعد مرتبة وحالا بعد حال , حتى أكمل لهم شرائعه ومعالمه وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه , ثم قال حين أنزل عليهم هذه الآية : { ورضيت لكم الإسلام دينا } بالصفة التي هو بها اليوم , والحال التي أنتم عليها اليوم منه { دينا } فالزموه ولا تفارقوه . وكان قتادة يقول في ذلك ما : 8718 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال . ذكر لنا أنه يمثل لأهل كل دين دينهم يوم القيامة , فأما الإيمان فيبشر أصحابه وأهله , ويعدهم في الخير حتى يجيء الإسلام . فيقول : رب أنت السلام وأنا الإسلام , فيقول : إياك اليوم أقبل , وبك اليوم أجزي . وأحسب أن قتادة وجه معنى الإيمان بهذا الخبر إلى معنى التصديق والإقرار باللسان ; لأن ذلك معنى الإيمان عند العرب , ووجه معنى الإسلام إلى استسلام القلب وخضوعه لله بالتوحيد , وانقياد الجسد له بالطاعة فيما أمر ونهى , فلذلك قيل للإسلام : إياك اليوم أقبل , وبك اليوم أجزي . ذكر من قال : نزلت هذه الآية بعرفة في حجة الوداع على رسول الله صلى الله عليه وسلم : 8719 - حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع , قالا : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن قيس بن مسلم , عن طارق بن شهاب , قال : قالت اليهود لعمر : إنكم تقرءون آية لو أنزلت فينا لاتخذناها عيدا . فقال عمر : إني لأعلم حين أنزلت , وأين نزلت , وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت ; أنزلت يوم عرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة - قال سفيان : وأشك , كان يوم الجمعة أم لا - { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } * - حدثنا أبو كريب وابن وكيع . قالا : ثنا ابن إدريس , قال : سمعت أبي , عن قيس بن مسلم , عن طارق بن شهاب , قال : قال يهودي لعمر : لو علمنا معشر اليهود حين نزلت هذه الآية : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } لو نعلم ذلك اليوم اتخذنا ذلك اليوم عيدا . فقال عمر : قد علمت اليوم الذي نزلت فيه والساعة , وأين رسول الله أو حين نزلت ; نزلت ليلة الجمعة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات . لفظ الحديث لأبي كريب , وحديث ابن وكيع نحوه * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جعفر بن عون , عن أبي العميس , عن قيس بن مسلم , عن طارق , عن عمر , نحوه . 8720 - حدثنا ابن وكيع , قال . ثنا أبي , عن حماد بن سلمة , عن عمار مولى بني هاشم , قال : قرأ ابن عباس : { اليوم أكملت لكم دينكم } وعنده رجل من أهل الكتاب , فقال : لو علمنا أي يوم نزلت هذه الآية لاتخذناه عيدا , فقال ابن عباس : فإنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا قبيصة , قال : ثنا حماد بن سلمة , عن عمار : أن ابن عباس قرأ : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } فقال يهودي : لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيدا , فقال ابن عباس : فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين : يوم عيد , ويوم جمعة . * - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج بن المنهال , قال : ثنا حماد , عن عمار بن أبي عمار , عن ابن عباس نحوه . * - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا رجاء بن أبي سلمة , قال : أخبرنا عبادة بن نسي , قال : ثنا أميرنا إسحاق , قال أبو جعفر إسحاق - هو ابن خرشة - عن قبيصة قال : قال كعب : لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه , فقال عمر : أي آية يا كعب ؟ فقال : { اليوم أكملت لكم دينكم } فقال عمر : قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه , والمكان الذي أنزلت فيه , يوم جمعة , ويوم عرفة , وكلاهما بحمد الله لنا عيد . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عنبسة , عن عيسى بن حارثة الأنصاري , قال : كنا جلوسا في الديوان , فقال لنا نصراني : يا أهل الإسلام : لقد نزلت عليكم آية لو نزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم وتلك الساعة عيدا ما بقي منا اثنان : { اليوم أكملت لكم دينكم } فلم يجبه أحد منا , فلقيت محمد بن كعب القرظي , فسألته عن ذلك , فقال : ألا رددتم عليه ؟ فقال : قال عمر بن الخطاب : أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الجبل يوم عرفة , فلا يزال ذلك اليوم عيدا للمسلمين ما بقي منهم أحد 8721 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا بشر بن المفضل , قال : ثنا داود , عن عامر , قال : أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } عشية عرفة وهو في الموقف 8722 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , قال : قلت لعامر : إن اليهود تقول : كيف لم تحفظ العرب هذا اليوم الذي أكمل الله لها دينها فيه ؟ فقال عامر : أوما حفظته ؟ قلت له : فأي يوم ؟ قال : يوم عرفة , أنزل الله في يوم عرفة . 8723 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : بلغنا أنها نزلت يوم عرفة , ووافق يوم الجمعة . 8724 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن حبيب , عن ابن أبي نجيح , عن عكرمة : أن عمر بن الخطاب , قال : نزلت سورة المائدة يوم عرفة , ووافق يوم الجمعة . 8725 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن عيينة , عن ليث , عن شهر بن حوشب , قال : نزلت سورة المائدة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة على راحلته , فتنوخت لأن يدق ذراعها 8726 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن ليث , عن شهر بن حوشب , عن أسماء بنت يزيد , قالت : نزلت سورة المائدة جميعا وأنا آخذة بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء ; قالت : فكادت من ثقلها أن يدق عضد الناقة 8727 - حدثني أبو عامر إسماعيل بن عمرو السكوني , قال : ثنا هشام بن عمار , قال : ثنا ابن عياش , قال : ثنا عمرو بن قيس السكوني أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينتزع بهذه الآية : { اليوم أكملت لكم دينكم } حتى ختمها , فقال : نزلت في يوم عرفة , في يوم جمعة . وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية , أعني قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } يوم الاثنين , وقالوا : أنزلت سورة المائدة بالمدينة . ذكر من قال ذلك : 8728 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : أخبرنا محمد بن حرب , قال : ثنا ابن لهيعة , عن خالد بن أبي عمران , عن حنش , عن ابن عباس : ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين , وخرج من مكة يوم الاثنين , ودخل المدينة يوم الاثنين , وأنزلت سورة المائدة يوم الاثنين { اليوم أكملت لكم دينكم } ورفع الذكر يوم الاثنين 8729 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج بن المنهال , قال : ثنا همام , عن قتادة , قال : المائدة مدنية . وقال آخرون : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره في حجة الوداع . ذكر من قال ذلك : 8730 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس , قال : نزلت سورة المائدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسير في حجة الوداع , وهو راكب راحلته , فبركت به راحلته من ثقلها وقال آخرون : ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس , وإنما معناه اليوم الذي أعلمه أنا دون خلقي , أكملت لكم دينكم . ذكر من قال ذلك : 8731 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { اليوم أكملت لكم دينكم } يقول : ليس بيوم معلوم يعلمه الناس . وأولى الأقوال في وقت نزول الآية , القول الذي روي عن عمر بن الخطاب أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة , لصحة سنده ووهي أسانيد غيره .فمن اضطر في مخمصة
القول في تأويل قوله تعالى : { فمن اضطر في مخمصة } يعني تعالى ذكره بقول : { فمن اضطر } فمن أصابه ضر في مخمصة , يعني في مجاعة , وهي مفعلة مثل المجبنة والمبخلة والمنجبة , من خمص البطن , وهو اضطماره , وأظنه هو في هذا الموضع معني به اضطماره من الجوع وشدة السغب , وقد يكون في غير هذا الموضع اضطمارا من غير الجوع والسغب , ولكن من خلقة , كما قال نابغة بني ذبيان في صفة امرأة بخمص البطن : والبطن ذو عكن خميص لين والنحر تنفجه بثدي مقعد فمعلوم أنه لم يرد صفتها بقوله خميص بالهزال والضر من الجوع , ولكنه أراد وصفها بلطافة طي ما على الأوراك والأفخاذ من جسدها ; لأن ذلك مما يحمد من النساء . ولكن الذي في معنى الوصف بالاضطمار والهزال من الضر , من ذلك , قول أعشى بني ثعلبة : تبيتون في المشتى ملاء بطونكم وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا يعني بذلك : يبتن مضطمرات البطون من الجوع والسغب والضر , فمن هذا المعنى قوله : في مخمصة . وكان بعض نحويي البصرة يقول : المخمصة : المصدر من خمصه الجوع . وكان غيره من أهل العربية يرى أنها اسم للمصدر وليست بمصدر ; ولذلك تقع المفعلة اسما في المصادر للتأنيث والتذكير . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8732 حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن عباس : { فمن اضطر في مخمصة } يعني في مجاعة . 8733 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { فمن اضطر في مخمصة } أي في مجاعة . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , مثله . 8734 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن ا