تفسير الطبري - Al-Tabari   سورة  المائدة الأية 109


سورة Sura   المائدة   Al-Maaida
۞ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)
الصفحة Page 126
۞ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)

القول في تأويل قوله : يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (109)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واتقوا الله، أيها الناس. واسمعوا وَعْظه إياكم وتذكيرَه لكم, واحذروا يَوْم يَجْمع الله الرسل = ثم حذف وَاحْذَرُوا ، واكتفى بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا ، عن إظهاره, كما قال الراجز:

عَلَفْتُهَـــا تِبْنًــا وَمَــاءً بَــارِدًا

حَــتَّى شَــتَتْ هَمَّالَــةً عَيْنَاهَــا (1)

يريد: " وسقيتها ماء باردًا ", فاستغنى بقوله " علفتها تبنًا " من إظهار " سقيتها ", إذ كان السامع إذا سَمِعه عرف معناه. فكذلك في قوله: " يوم يجمع الله الرسل " ، حذف وَاحْذَرُوا لعلم السامع معناه, اكتفاءً بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا ، إذ كان ذلك تحذيرًا من أمر الله تعالى ذكره، خلقَه عقابَه على معاصيه.

* * *

وأما قوله: " ماذا أُجبتم " ، فإنه يعني به: ما الذي أجابتكم به أممكم، (2) حين دعوتموهم إلى توحيدي، والإقرار بي، والعمل بطاعتي، والانتهاء عن معصيتي؟ =" قالوا لا علم لنا ".

* * *

فاختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معنى قولهم: " لا علم لنا " ، لم يكن ذلك من الرسل إنكارًا أن يكونوا كانوا عالمين بما عملت أممهم, ولكنهم ذَهِلوا عن الجواب من هَوْلِ ذلك اليوم, ثم أجابوا بعد أن ثَابَتْ إليهم عقولهم بالشَّهادة على أممهم.

* ذكر من قال ذلك:

12986 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل. قال ، حدثنا أسباط, عن السديّ: " يوم يجمع الله الرسل فيقول مَاذا أجبتم قالوا لا علم لنا " ، قال: فذلك أنهم نـزلوا منـزلا ذَهِلت فيه العقول, (3) فلما سئلوا قالوا: " لا علم لنا "، ثم نـزلوا منـزلا آخر, فشهدوا على قومهم.

12987 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام, عن عنبسة......... قال : سمعت الحسن يقول في قوله: " يوم يجمع الله الرسل " ، الآية، قال : من هول ذلك اليوم. (4)

12988 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري, عن الأعمش, عن مجاهد في قوله: " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم " ، فيفزعون, فيقول: ماذا أجبتم؟ فيقولون: لا علم لنا !

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: لا علم لنا إلا ما علّمتنا.

* ذكر من قال ذلك:

12989- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله: " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم "، فيقولون: = لا علم لنا إلا ما علمتنا =" إنك أنتَ علام الغيوب ".

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: قالوا لا علم لنا، إلا علمٌ أنت أعلَمُ به منَّا.

* ذكر من قال ذلك:

12990- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا " ، إلا علم أنت أعلم به منا.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: " ماذا أجبتم " ، ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟

* ذكر من قال ذلك:

12991 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم " ، ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا بعدكم؟ =" قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ".

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال: " معناه: لا علم لنا، إلا علم أنت أعلم به منّا ", لأنه تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم قالوا: " لا علم لنا إنَّك أنتَ علام الغيوب " ، أي: إنك لا يخفى عليك ما عندنا من علم ذلك ولا غيره من خفيِّ العلوم وجليِّها. فإنما نَفى القومُ أن يكون لهم بما سُئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو تعالى ذكره = لا أنَّهم نَفَوا أن يكونوا علموا ما شاهدُوا. كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك، وهو تعالى ذكره يخبر عنهم أنَّهم يُخْبرون بما أجابتهم به الأمم، وأنهم يسْتشهدون على تبليغهم الرسالة شهداء, (5) فقال تعالى ذكره: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [سورة البقرة:143].

* * *

وأما الذي قاله ابن جريج، من أن معناه: " ماذا عملت الأمم بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟" فتأويل لا معنَى له. لأن الأنبياء لم يكن عندها من العلم بما يَحدُث بعدها إلا ما أعلمها الله من ذلك, وإذا سئلت عَمَّا عملت الأمم بعدها والأمر كذلك، فإنما يقال لها: ماذا عَرَّفناك أنه كائن منهم بعدك؟ وظاهرُ خَبر الله تعالى ذكره عن مسألته إيّاهم، يدلّ على غير ذلك.

------------------------

الهوامش :

(1) مضى تخريج البيت وتفسيره فيما سلف 1: 264 ، وكان في المطبوعة هنا: "حتى غدت همالة" ، غير ما في المخطوطة.

(2) انظر تفسير"ماذا" فيما سلف 4: 292 ، 346 ، 347/8: 359.

(3) في المطبوعة: "ذلك أنهم لما نزلوا" ، وفي المخطوطة: "فذلك أنهم لما نزلوا" وأثبت ما في المخطوطة ، وحذفت"لما" لأنه لا موضع لها هنا ، وكأنها زيادة من عجلة الناسخ.

(4) الأثر: 12987 - هذا إسناد ناقص بلا شك ، بين"عتبة" ، و"الحسن البصري" ، فوضعت مكانه النقط ، وقد أعجلت أن أجد مثله فيما سلف ، فتركته حتى أجد تمامه.

(5) في المطبوعة: "سيشهدون على تبليغهم" ، حرف ما في المخطوطة وأساء.

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022