تفسير الطبري - Al-Tabari   سورة  آل عمران الأية 101


سورة Sura   آل عمران   Aal-Imran
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۗ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ (108)
الصفحة Page 63
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " وكيف تكفرون "، أيها المؤمنون بعد إيمانكم بالله وبرسوله، فترتدّوا على أعقابكم =" وأنتم تتلى عليكم آيات الله "، يعني: حججُ الله عليكم التي أنـزلها في كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم =" وفيكم رسوله " حجةٌ أخرَى عليكم لله، مع آي كتابه، يدعوكم جميع ذلك إلى الحقّ، ويبصِّركم الهدَى والرشاد، وينهاكم عن الغيّ والضلال؟. يقول لهم تعالى ذكره: فما وجه عُذْركم عند ربكم في جحودكم نبوَّة نبيِّكم، وارتدادكم على أعقابكم، ورجوعكم إلى أمر جاهليتكم، إنْ أنتم راجعتم ذلك وكفرتم، وفيه هذه الحجج الواضحة والآياتُ البينة على خطأ فعلكم ذلك إن فعلتموه؟ كما:-

7533- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله " الآية، علَمان بيِّنان: وُجْدان نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكتابُ الله. فأما نبيّ الله فمضى صلى الله عليه وسلم. وأما كتاب الله، فأبقاه الله بين أظهُركم رحمة من الله ونعمة، فيه حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.

* * *

وأما قوله: " ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم "، فإنه يعني: ومن يتعلق بأسباب الله، ويتمسَّك بدينه وطاعته =" فقد هدى "، يقول: فقد وُفِّق لطريق واضح، ومحجةٍ مستقيمة غير معوجَّة، فيستقيم به إلى رضى الله، وإلى النجاة من عذاب الله والفوز بجنته، كما:-

7534- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: " ومن يعتصم بالله فقد هدي " قال: يؤمن بالله.

* * *

وأصل " العَصْم " المنع، فكل مانع شيئًا فهو " عاصمه "، والممتنع به " معتصمٌ به "، ومنه قول الفرزدق:

أَنَــا ابــنُ العَـاصِمينَ بَنِـي تَمِيـم

إذَا مَــا أَعْظَــمُ الحَدَثَــانِ نَابَــا (1)

ولذلك قيل للحبل " عِصام "، وللسبب الذي يتسبب به الرجل إلى حاجته " عِصام "، ومنه قول الأعشى:

إلَــى المَــرْءِ قَيْسٍ أُطِيـلُ السُّـرَى

وَآخُــذُ مِــنْ كُــلِّ حَـيٍّ عُصـمْ (2)

يعني بـ " العُصم " الأسباب، أسبابَ الذمة والأمان. يقال منه: " اعتصمت بحبل من فلان " و " اعتصمتَ حبلا منه " و " اعتصمت به واعتصمته "، وأفصح اللغتين إدخال " الباء "، كما قال عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ، وقد جاء: " اعتصمته "، كما الشاعر: (3)

إذَا أَنْــتَ جَــازَيْتَ الإخـاءَ بِمِثْلِـهِ

وَآسَــيْتَنِي, ثــمَّ اعْتَصَمْـتَ حِبَالِيَـا (4)

فقال: " اعتصمت حباليا "، ولم يدخل " الباء ". وذلك نظير قولهم: " تناولت الخِطام، وتناولت بالخطام "، و " تعلَّقت به وتعلقته "، كما قال الشاعر: (5)

تَعَلَّقَــتْ هِنْــدًا ناشِـئًا ذَاتَ مِـئْزَرٍ

وَأَنْـتَ وَقَـدَ قَـارَفْتَ, لم تَدْرِ مَا الحِلْمُ (6)

* * *

وقد بينت معنى " الهدى "،" والصراط"، وأنه معنيّ به الإسلام، فيما مضى قبل بشواهده، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. (7)

* * *

وقد ذكر أن الذي نـزل في سبب تَحاوُز القبيلين (8) الأوس والخزرج، كان منْ قوله: (9) " وكيف تكفرُون وأنتم تتلى عليكم آيات الله ".

*ذكر من قال ذلك:

7535- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حسن بن عطية قال، حدثنا قيس بن الربيع، عن الأغرّ بن الصبّاح، عن خليفة بن حُصَين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كانت الأوس والخزرج بينهم حرب في الجاهلية كل شهر، (10) &; 7-64 &; فبينما هم جلوس إذْ ذكروا ما كان بينهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فنـزلت هذه الآية: " وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله " إلى آخر الآيتين، وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً إلى آخر الآية. (11)

----------------------

الهوامش :

(1) ديوانه: 115 ، والنقائض: 451 ، مطلع قصيدة ينقض بها هجاء جرير.

(2) ديوانه: 29 من قصيدته في ثنائه على صاحبه قيس بن معد يكرب الكندي ، وقد مضت منها أبيات في 1 : 242 / 5 : 422. والسرى: سير الليل كله. والعصم جمع عصام ، وهكذا ضبط في شعره ، وجائز أن يضبط"عصم" (بكسر العين وفتح الصاد) جمع"عصمة" (بكسر العين وسكون الصاد) وكلاهما مجاز في معنى العهود. وقوله: "وآخذ من كل حي عصم" ، يعني أن سطوة قيس في الأحياء ، ورهبته في صدورهم ، تجعل له عند كل حي عهدًا يأخذه ليجوز به أرضهم آمنًا ، لا يمسه أحد ولا ينال منه. وسيأتي مثل هذا المعنى في بيت آخر يأتي بعد قليل ص : 70 ، تعليق : 3 .

(3) لم أعرف قائله.

(4) معاني القرآن للفراء 1 : 228 ، وضبطه"ثم" هكذا ، وبقى جواب"إذا" في بيت بعده فيما أرجح. ولو قرأته"ثم" بفتح الثاء ، أي هناك ، كان جواب"إذا" ، "اعتصمت حباليا". وتم البيت ، وانفرد عما بعده. ولكني لا أستطيع أن أرجح هذا حتى أعرف بقية الأبيات.

(5) لم أعرف قائله.

(6) معاني القرآن 1 : 228. يقال: "غلام ناشئ ، وجارية ناشئة" ، ولكنه وصف"هندًا" على التذكير فقال: "ناشئًا" ، وقد زعم الليث أنه لم يسمع هذا النعت في الجارية ، فكأن الشاعر وصفها به ، وأمره على التذكير. وقوله: "وقد قارفت" ، أي قاربت ودنوت من الكبر ، والجملة حال معترضة. يقول: تعلقها صغيرة لم تحجب بعد ، وبلغت ما بلغت ، ولم تدر بعد ما الحلم ، وهو الأناة والعقل ومفارقة الصبا وطيش الشباب.

(7) انظر تفسير"الهدى" فيما سلف 1 : 166 - 170 ، وفهارس اللغة / وانظر تفسير"الصراط المستقيم" فيما سلف 1 : 170 - 177 وفهارس اللغة.

(8) في المطبوعة: "تحاور" ، وقد أسلفت قراءتي لهذا الحرف وبيانه فيما سلف: ص55 تعليق: 6 ، وفي المطبوعة: "القبيلتين" بالتاء ، وأثبت ما في المخطوطة.

(9) في المطبوعة والمخطوطة: "كان منه قوله" ، وهو خطأ ، والصواب ما في المخطوطة. ويعني أن الآيات التي نزلت في شأن تحاوز الأوس والخزرج واقتتالهما ، كان من أول هذه الآية ، لا الآيتين قبلها.

(10) قوله: "كل شهر" ، هكذا جاء في المخطوطة واضحا ، والذي في الدر المنثور 2 : 58: "كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر" ، وفي القرطبي 4 : 156: "كان بين الأوس والخزرج قتال وشر في الجاهلية" ، ويخشى أن يكون ما في المخطوطة: "كل شهر" ، تصحيف"وكل شر" ، ولكن ليس هذا موضع الرأي ، فإن الذين نقلوا هذا الأثر فيما بين يدي ، لم ينقلوه بإسناده هذا ، ولا بتمام لفظه كما هنا.

(11) الأثر: 7535-"حسن بن عطية بن نجيح القرشي" ، سلفت ترجمته في رقم: 4962. و"قيس بن الربيع الأسدي" أبو محمد الكوفي. روي عن أبي إسحاق السبيعي ، والأغر بن الصباح ، وسماك بن حرب وغيرهم. روى عنه الثوري ، وهو من أقرانه ، وشعبة ، ومات قبله ، وعبد الرزاق ووكيع. تكلموا فيه ، وثقه الثوري وشعبة وغيرهما. وضعفه آخرون وقالوا: "ليس بقوي ، يكتب حديثه ولا يحتج به". مترجم في التهذيب. و"الأغر بن الصباح التميمي المنقري". روى عن خليفة بن حصين ، روى عنه الثوري وقيس بن الربيع ، وأبو شبيبة. قال ابن معين والنسائي: "ثقة" ، وقال أبو حاتم"صالح" مترجم في التهذيب. و"خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم التميمي المنقري" روى عن أبيه وجده ، وعلي بن أبي طالب ، وزيد بن أرقم ، وأبي نصر الأسدي. وروى عنه الأغر بن الصباح. ثقة. مترجم في التهذيب. و"أبو نصر الأسدي". روي عن ابن عباس ، وعنه خليفة بن حصين. قال البخاري: "لم يعرف سماعه من ابن عباس" ، وقال أبو زرعة: "أبو نصر الأسدي الذي يروي عن ابن عباس: ثقة". مترجم في التهذيب ، والكنى للبخاري: 76 ، وأشار إلى هذا الأثر ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 448.

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022