تفسير الطبري - Al-Tabari   سورة  يوسف الأية 15


سورة Sura   يوسف   Yusuf
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (18) وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ ۖ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ ۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)
الصفحة Page 237
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15)

قال أبو جعفر : وفي الكلام متروكٌ حذف ذكره، اكتفاءً بما ظهر عما ترك ، وهو: أَرْسِلْهُ مَعَنَا ، ( فلما ذهبوا به وأجمعوا) ، يقول: وأجمع رأيهم، (1) وعزموا على (أن يجعلوه في" غيابة الجب " (2) ) . كما:-

18831- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي ، قوله: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ ، الآية ، قال، قال: لن أرسله معكم ، إني أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ، قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ ، فأرسله معهم ، فأخرجوه وبه عليهم كرامة، فلما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه ، فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل لا يرى منهم رحيمًا ، (3) فضربوه حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه! يا يعقوب! لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء ! فلما كادوا يقتلونه، قال يهوذا (4) أليس قد أعطيتموني موثقًا أن لا تقتلوه؟ فانطلقوا به إلى الجبّ ليطرحوه ، فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلّق بشَفير البئر.

فربطوا يديه، ونـزعوا قميصه ، فقال: يا إخوتاه! ردوا عليّ قميصي أتوارى به في الجبّ ! فقالوا: ادعُ الشمسَ والقمرَ والأحد عشر كوكبًا تؤنسك ! قال: إني لم أر شيئًا ، فدلوه في البئر، حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادةَ أن يموت. وكان في البئر ماءٌ فسقط فيه ، ثم أوَى إلى صخرة فيها فقام عليها . قال: فلما ألقوه في البئر، جعل يبكي ، فنادوه ، فظنّ أنها رحمة أدركتهم ، فلبَّاهم ، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه ، فقام يهوذا فمنعهم ، وقال: قد أعطيتموني موثقًا أن لا تقتلوه! وكان يهوذا يأتيه بالطعام.

* * *

وقوله: (فلما ذهبوا به وأجمعوا) فأدخلت " الواو " في الجواب ، كما قال امرؤ القيس:

فَلَمَّـا أجَزْنَـا سَـاحَةَ الحَـيِّ وانْتَحَـى

بِنـا بَطْـنُ خَـبْتٍ ذِي قِفـاف عَقَنْقَل (5)

فأدخل الواو في جواب " لما " ، وإنما الكلام: فلما أجزنا ساحة الحي، انتحى بنا ، وكذلك: (فلما ذهبوا وأجمعوا) ، لأن قوله: " أجمعوا " هو الجواب.

* * *

وقوله: (وأوحينا إليه لتنبِّئنهم بأمرهم) ، يقول: وأوحينا إلى يوسف لتخبرنَّ إخوتك ، ( بأمرهم هذا) يقول: بفعلهم هذا الذي فعلوه بك (وهم لا يشعرون) يقول: وهم لا . يعلمون ولا يدرُون (6) .

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله عز وجل بقوله: (وهم لا يشعرون) .

فقال بعضهم: عنى بذلك: أن الله أوحى إلى يوسف أنّ يوسف سينبئ إخوته بفعلهم به ما فعلوه: من إلقائه في الجب ، وبيعهم إياه ، وسائر ما صنعوا به من صنيعهم ، وإخوته لا يشعرون بوحي الله إليه بذلك .

*ذكر من قال ذلك:

18832- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: (وأوحينا إليه) إلى يوسف.

18833- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا) قال: أوحينا إلى يوسف: لتنبئن إخوتك.

18834- ...قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) قال: أوحى إلى يوسف وهو في الجبّ أنْ سينبئهم بما صنعوا ، وهم لا يشعرون بذلك الوحي

18835- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال مجاهد: (وأوحينا إليه) ، قال: إلى يوسف.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: وأوحينا إلى يوسف بما إخوته صانعون به ، وإخوته لا يشعرون بإعلام الله إيّاه بذلك .

*ذكر من قال ذلك:

18836- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) ، بما أطلع الله عليه يوسف من أمرهم، وهو في البئر.

18837- حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون)، قال: أوحى الله إلى يوسف وهو في الجب أن ينبئهم بما صنعوا به ، وهم لا يشعرون بذلك الوحي.

18838- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد ، قال: أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن قتادة، بنحوه ، إلا أنه قال: أن سينبئهم .

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يوسف سينبئهم بصنيعهم به، وهم لا يشعرون أنه يوسف .

*ذكر من قال ذلك:

18839-حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله: (وهم لا يشعرون) يقول: وهم لا يشعرون أنه يوسف.

18840- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا صدقة بن عبادة الأسدي، عن أبيه، قال: سمعت ابن عباس يقول: لما دخل إخوة يوسف فعرفهم وهم له منكرون ، قال: جيء بالصُّوَاع، فوضعه على يده، ثم نقره فطنَّ، فقال: إنه ليخبرني هذا الجامُ أنه كان لكم أخٌ من أبيكم يقال له يوسف، يدنيه دونكم ، وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب! قال: ثم نقره فطنَّ ، فأتيتم أباكم فقلتم: إن الذئب أكله، وجئتم على قميصه بدَمٍ كذب! قال: فقال بعضهم لبعض: إن هذا الجام ليخبره بخبركم! قال ابن عباس: فلا نرى هذه الآية نـزلت إلا فيهم: (لتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون). (7)

* * *

----------------------

الهوامش:

(1) انظر تفسير" الإجماع" فيما سلف ص : 147 ، 148 .

(2) انظر تفسير" غيابة الجب" فيما سلف ص : 565 ، 566 .

(3) انظر ما قلته في" جعل" وأشباهها ، وأنها أفعال استعانة ، لها مكان في التعبير لا يغني مكانها شيء غيرها . انظر ج 11 تعليق : 1 .

(4) انظر ما سلف ص : 565 ، تعليق : 1 في اسم هذا القائل ، وأنه" روبيل" أو" شمعون" ، ولم يذكر هناك" يهوذا" .

(5) معلقته المشهورة ، وسيأتي في التفسير 17 : 73 ( بولاق ) ، وكان في المطبوعة :" ذي حقاف" ، وأثبت روايته هذه من المخطوطة .

(6) انظر تفسير" شعر" فيما سلف 12 : 576 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

(7) الأثر : 18840 -" صدقة بن عبادة بن نشيط الأسدي" ، روى عن أبيه عن ابن عباس . روى عنه أبو داود الطيالسي ، وموسى بن إسماعيل ، وغيرهما ، مترجم في الكبير 2 / 2 / 298 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 433 . /8 وأبوه" عبادة بن نشيط الأسدي" ، روى عن ابن عباس ، روى عنه ابنه صدقة ، مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 96 . ولم يذكروا فيه ولا في ابنه جرحًا . ومع ذلك فالخبر عندي غير مستقيم . وكفاه اختلالا أنه مخالف لصريح القرآن ، ولو وافقه لكان أولى به أن يكون قال لهم ذلك ، لما دخلوا عليه فقال لهم :" هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون" ، في آخر السورة .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022