قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قَرأة المدينة والشأم : " اللهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السماوات " برفع اسم " الله " على الابتداء ، وتصيير قوله: ( الذي له ما في السماوات ) ،خبرَه.
* * *
وقرأته عامة قرأة أهل العراق والكوفة والبصرة: ( اللهِ الَّذِي ) بخفض اسم الله على إتباع ذلك الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، وهما خفضٌ.
* * *
وقد اختلف أهل العربية في تأويله إذ قرئ كذلك .
فذكر عن أبي عمرو بن العَلاء أنه كان يقرؤه بالخفض. ويقول: معناه: بإذن ربهم إلى صرَاط [ الله ] العزيز الحميدِ الذي له ما في السماوات . (25) ويقول: هو من المؤخَّر الذي معناه التقديم ، ويمثله بقول القائل: " مررتُ بالظَّريف عبد الله " ، والكلام الذي يوضع مكانَ الاسم النَّعْتُ ، ثم يُجْعَلُ الاسمُ مكان النعت ، فيتبع إعرابُه إعرابَ النعت الذي وُضع موضع الاسم ، كما قال بعض الشعراء:
لَــوْ كُــنْتُ ذَا نَبْــلٍ وَذَا شَـزِيبِ
مَـا خِـفْتُ شَـدَّاتِ الخَـبِيثِ الـذِّيبِ (26)
* * *
وأما الكسائي فإنه كان يقول فيما ذكر عنه: مَنْ خفضَ أراد أن يجعلَه كلامًا واحدًا ، وأتبع الخفضَ الخفضَ ، وبالخفض كان يَقْرأ.
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القُرّاء ، معناهما واحدٌ ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقد يجوز أن يكون الذي قرأه بالرفع أراد مَعْنَى مَنْ خفضَ في إتباع الكلام بعضِه بعضًا ، ولكنه رفع لانفصاله من الآية التي قبله ، كما قال جل ثناؤه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلى آخر الآية ثم قال: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ [سورة التوبة : 111 ، 112] . (27)
* * *
ومعنى قوله: ( اللهِ الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) اللهِ الذي يملك جميع ما في السماوات ومَا في الأرض .
يقول لنييه محمد صلى الله عليه وسلم: أنـزلنا إليك هذا الكتاب لتدعُوَ عِبادي إلى عِبَادة مَنْ هذه صفته ، وَيَدعُو عبادَةَ من لا يملك لهم ولا لنفسه ضَرًّا ولا نفعًا من الآلهة والأوثان. ثم توعّد جل ثناؤه من كفر به ، ولم يستجب لدعاء رسوله إلى ما دعاه إليه من إخلاص التوحيد له فقال: ( وويْلٌ للكافرين من عذاب شديد ) يقول: الوادِي الذي يسيلُ من صديد أهل جهنم ، لمن جحد وحدانيته ، وعبد معه غيره ، مِن عَذَاب الله الشَّدِيد. (28)
-----------------------------------
الهوامش :
(25) زدت ما بين القوسين لأنه حق الكلام ، وإلا لم يكن المعنى على " المؤخر الذي معناه التقديم " كما سيأتي ، بل كان يكون على التطويل والزيادة ، وهو باطل . وهو إغفال من عجلة الناسخ وسبق قلمه .
(26) غاب عني مكان الرجز . و " الشزيب " و " الشزبة " ، ( بفتح فسكون ) ، من أسماء القوس ، وهي التي ليست بجديد ولا خلق ، كأنها شزب قضيبها ، أي ذبل . و " الشدة " ، ( بفتح الشين ) الحملة ، يقال : " شد على العدو " ، أي حمل .
(27) انظر ما قاله أبو جعفر في الآية ، فيما سلف 14 : 500 ، التعليق رقم : 2 .
(28) انظر تفسير " الويل " فيما سلف 2 : 267 - 269 ، 237 .