تفسير الطبري - Al-Tabari   سورة  الحجر الأية 20


سورة Sura   الحجر   Al-Hijr
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)
الصفحة Page 263
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)

يقول تعالى ذكره: ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ ) أيها الناس في الأرض ( مَعَايِشَ ) ، وهي جمع معيشة ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ).

اختلف أهل التأويل في المعني في قوله ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) فقال بعضهم: عني به الدوابّ والأنعام.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسين قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله جمعيا، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) الدوابّ والأنعام.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

وقال آخرون: عني بذلك: الوحش خاصة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور (2) في هذه الآية ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) قال: الوحش ، فتأويل " مَنْ" في: ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) على هذا التأويل بمعنى ما، وذلك قليل في كلام العرب.

وأولى ذلك بالصواب، وأحسن أن يقال: عني بقوله ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) من العبيد والإماء والدوابّ والأنعام. فمعنى ذلك: وجعلنا لكم فيها معايش. والعبيدَ والإماء والدوابَّ والأنعام ، وإذا كان ذلك كذلك، حسن أن توضع حينئذ مكان العبيد والإماء والدوابّ " من "، وذلك أن العرب تفعل ذلك إذا أرادت الخبر عن البهائم معها بنو آدم. وهذا التأويل على ما قلناه وصرفنا إليه معنى الكلام إذا كانت " من " في موضع نصب عطفا به على معايش بمعنى: جعلنا لكم فيها معايش، وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين. وقيل: إنّ " من " في موضع خفض عطفا به على الكاف والميم في قوله ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ ) بمعنى: وجعلنا لكم فيها معايش ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) وأحسب أن منصورا (3) في قوله: هو الوحش قصد هذا المعنى وإياه أراد، وذلك وإن كان له وجه في كلام العرب ، فبعيد قليل، لأنها لا تكاد تظاهر على معنى في حال الخفض، وربما جاء في شعر بعضهم في حال الضرورة، كما قال بعضهم:

هَـلا سـألْتَ بـذِي الجَمـاجِمِ عنهُـمُ

وأبــي نَعِيـمٍ ذي اللِّـوَاءِ المُخْـرَقِ (4)

فردّ أبا نعيم على الهاء والميم في عنهم ، وقد بيَّنت قبح ذلك في كلامهم.

------------------------

الهوامش:

(2) منصور الذي يروي عنه شعبة بن الحجاج : هو منصور بن عبد الرحمن التميمي الغداني ( بضم الغين ) عن الشعبي ، وعنه وشعبة وابن علية ، وثقه ابن معين وأحمد وأبو داود ، وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ، يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال النسائي : ليس بقوي ، وفي كلام الفراء الذي نقلناه تحت الشاهد " هلا سألت " إشارة إلى روايته هناك ، بقوله " وقد جاء أنهم الوحوش ... الخ " . ( وانظر خلاصة الخزرجي ) .

(3) انظر الكلام عليه في هامش ص 17 .

(4) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( ص 167 من مصورة الجامعة ) . قال : وقوله " وجعلنا لكم فيها معايش " : أراد الأرض " ومن لستم له برازقين " فمن في موضع نصب ، يقول : جعلنا لكم فيها معايش والعبيد والإماء ، وقد جاء أنهم الوحوش والبهائم ، ومن : لا يفرد بها البهائم ، ولا ما سوى الناس ، فإن يكن ذلك على ما روى فنرى أن أدخل فيهم المماليك ، على أنا ملكناكم العبيد والإبل والغنم وما أشبه ذلك ، مجاز ذلك ، وقد يقال إن " من " في موضع خفض ، يراد جعلنا لكم فيها معايش ولمن . وما أقل ما ترد العرب لمخفوض قد كني عنه ، وقد قال الشاعر :

نعلــق فـي مثـل الـواري سـيوفنا

ومـا بينهـا والكـعب غـوط نفـانف

فرد الكعب على بينها . وقال الآخر : هلا سألت ... البيت ، فرد " أبي نعيم " على الهاء في عنهم .

قلت : وهذا الموضع الذي أشار إليه الفراء ، وهو عطف اسم مخفوض على ضمير هو قوله تعالى " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " من سورة النساء .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022