تفسير الطبري - Al-Tabari   سورة  الأنبياء الأية 88


سورة Sura   الأنبياء   Al-Anbiyaa
وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) ۞ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
الصفحة Page 329
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)

يقول تعالى ذكره ( فَاسْتَجَبْنَا ) ليونس دعاءه إيانا ، إذ دعانا في بطن الحوت ، ونجيناه من الغمّ الذي كان فيه بحبْسناه في بطن الحوت وغمه بخطيئته وذنبه ( وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) ، يقول جلّ ثناؤه: وكما أنجينا يونس من كرب الحبس في بطن الحوت في البحر إذ دعانا ، كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر.

*ذكر من قال ذلك: حدثنا عمران بن بكار الكُلاعيّ ، قال : ثنا يحيى بن عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو يحيى بن عبد الرحمن ، قال: ثني بشر بن منصور ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال: سمعت سعد بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اسْمُ اللهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ، دَعْوَة يُونُسَ بْنِ مَتَّى ، قال: فقلت: يا رسول الله ، هي ليونس بن متى خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: هِيَ لِيُونُسَ بْنِ مَتَّى خَاصَّةً ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّة إِذَا دَعَوْا بِهَا ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ فهو شرط الله لمن دعاه بها.

واختلفت القراء في قراءة قوله ( نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) فقرأت ذلك قراء الأمصار ، سوى عاصم ، بنونين الثانية منهما ساكنة ، من أنجيناه ، فنحن ننجيه ، وإنما قرءوا ذلك كذلك وكتابته في المصاحف بنون واحدة ، لأنه لو قرئ بنون واحدة وتشديد الجيم ، بمعنى ما لم يسم فاعله ، كان " المؤمنون " رفعا ، وهم في المصاحف منصوبون ، ولو قرئ بنون واحدة وتخفيف الجيم ، كان الفعل للمؤمنين وكانوا رفعا ، ووجب مع ذلك أن يكون قوله " نجى " مكتوبا بالألف ، لأنه من ذوات الواو ، وهو في المصاحف بالياء.

فإن قال قائل: فكيف كتب ذلك بنون واحد ، وقد علمت أن حكم ذلك إذا قرئ( نُنَجِّي ) أن يُكتب بنونين؟ قيل: لأن النون الثانية لما سكنت وكان الساكن غير ظاهر على اللسان حذفت كما فعلوا ذلك ب " إلا " لا فحذفوا النون من " إنْ" لخفائها ، إذ كانت مندغمة في اللام من " لا " ، وقرأ ذلك عاصم (نُجِّي المُؤْمِنِينَ) بنون واحدة ، وتثقيل الجيم ، وتسكين الياء ، فإن يكن عاصم وجه قراءته ذلك إلى قول العرب: ضرب الضرب زيدا ، فكنى عن المصدر الذي هو النجاء ، وجعل الخبر ، أعني خبر ما لم يسمّ فاعله المؤمنين ، كأنه أراد : وكذلك نَجَّى المؤمنين ، فكنى عن النجاء ، فهو وجه ، وإن كان غيره أصواب ، وإلا فإن الذي قرأ من ذلك على ما قرأه لحن ، لأن المؤمنين اسم على القراءة التي قرأها ما لم يسم فاعله ، والعرب ترفع ما كان من الأسماء كذلك ، وإنما حمل عاصما على هذه القراءة أنه وجد المصاحف بنون واحدة وكان في قراءته إياه على ما عليه قراءة القرّاء إلحاق نون أخرى ليست في المصحف ، فظنَّ أن ذلك زيادة ما ليس في المصحف ، ولم يعرف لحذفها وجها يصرفه إليه.

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة التي لا استجيز غيرها في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، من قراءته بنونين وتخفيف الجيم ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها وتخطئتها خلافه.

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022