وقوله: (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أئمَّةً) يقول تعالى ذكره: وجعلنا من بني إسرائيل أئمة، وهي جمع إمام، والإمام الذي يؤتمّ به في خير أو شرّ، وأريد بذلك في هذا الموضع أنه جعل منهم قادة في الخير، يؤتمّ بهم، ويهْتَدى بهديهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أئمَّةً يَهدُونَ بأمْرِنا) قال: رؤساء في الخير. وقوله: (يَهْدُونَ بأمْرِنا) يقول تعالى ذكره: يهدون أتباعهم وأهل القبول منهم بإذننا لهم بذلك، وتقويتنا إياهم عليه.
وقوله: (لَمَّا صَبرُوا) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة (لَمَّا صَبرُوا) بفتح اللام وتشديد الميم، بمعنى: إذ صبروا، وحين صبروا، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (لِمَا) بكسر اللام وتخفيف الميم بمعنى: لصبرهم عن الدنيا وشهواتها، واجتهادهم في طاعتنا، والعمل بأمرنا، وذُكر أن ذلك فى قراءة ابن مسعود (بِمَا صَبَرُوا) وما إذا كسرت اللام من (لِمَا) في موضع خفض، وإذا فتحت اللام وشدّدت الميم، فلا موضع لها، لأنها حينئذ أداة.
والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما عامة من القراء فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام إذا قُرئ ذلك بفتح اللام وتشديد الميم، وجعلنا منهم أئمة يهدون أتباعهم بإذننا إياهم، وتقويتنا إياهم على الهداية، إذ صبروا على طاعتنا، وعزفوا أنفسهم عن لذّات الدنيا وشهواتها. وإذا قرئ بكسر اللام (1) على ما قد وصفنا.
وقد حدثنا ابن وكيع، قال: قال أبي، سمعنا في (وَجَعَلْنا مْنِهُمْ أئمَّةً يهدون بأمْرِنا لَمَّا صَبروا) قال: عن الدنيا.
وقوله: (وكانُوا بآياتِنا يُوقِنُونَ) يقول: وكانوا أهل يقين بما دلهم عليه حججنا، وأهل تصديق بما تبين لهم من الحقّ، وإيمان برسلنا، وآيات كتابنا وتنـزيلنا.
-------------------
الهوامش :
(1) لعله فيكون على ... إلخ .