القول في تأويل قوله تعالى : مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)
يقول تعالى ذكره وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ يتنعمون فيهما، ( مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ )، فنصب متكئين على الحال من معنى الكلام الذي قبله، لأن الذي قبله بمعنى الخبر عمن خاف مقام ربه أنه في نَعْمة وسرور، يتنعمون في الجنتين.
وقوله: ( عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ ) يقول تعالى ذكره : بطائن هذه الفرش من غليظ الديباج، والإستبرق عند العرب: ما غلظ من الديباج وخشن.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: يسمى المتاع الذي ليس في صفاقة الديباج، ولا خفة العَرَقَة إستبرقا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
** ذكر من قال ذلك:
حدثني عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا يحيى بن أبي إسحاق، قال، قال لي سالم بن عبد الله : ما الإستبرق؟ قال، قلت: ما غلظ من الديباج وخشن منه.
حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا يحيى بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن عكرِمة، في قوله: ( إسْتَبْرَق ) قال: الديباج الغليظ.
وحدثنا إسحاق بن زيد الخطابي، قال: ثنا الفريابيّ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم عن ابن مسعود في قوله: ( فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ) قال: قد أخبرتم بالبطائن، فكيف لو أخبرتم بالظواهر؟.
حدثنا الرفاعي، قال: ثنا ابن اليمان، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، قال: هذه البطائن فما ظنكم بالظواهر؟.
حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا أبو داود، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: قيل له: هذه البطائن من إستبرق فما الظواهر؟ قال: هذا مما قال الله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ . وقد زعم أهل العربية أن البطانة قد تكون ظهارة، والظهارة تكون بطانة، وذلك أن كل واحد منهما قد يكون وجها . قال: وتقول العرب: هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء لظاهرها الذي نراه.
وقوله: ( وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ) يقول: وثمر الجنتين الذي يجتني قريب منهم، لأنهم لا يتعبون بصعود نخلها وشجرها، لاجتناء ثمرها، ولكنهم يجتنونها من قعود بغير عناء.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ): ثمارهم دانية، لا يردّ أيديهم عنه بعد ولا شوك. ذُكر لنا أن نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " وَالَّذي نَفسِي بيَدِهِ، لا يَقْطَعُ رَجُلٌ ثَمَرة مِنَ الجَنَّةِ، فَتَصِلُ إلى فِيهِ حتى يُبَدّلَ الله مَكانَها خَيْرا منْها ".
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ) قال: لا يردّ يده بعد ولا شوك.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ) يقول : ثمارها دانية.