وقوله ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المشركون لما نفخ في الصور نفخة البعث لموقف القيامة فردت أرواحهم إلى أجسامهم، وذلك بعد نومة ناموها( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) وقد قيل: إن ذلك نومة بين النفختين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن خيثمة، عن الحسن، عن أُبي بن كعب، في قوله ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) قال: ناموا نومة قبل البعث .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن رجل يقال له خيثمة في قوله ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) قال: ينامون نومة قبل البعث .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) هذا قول أهل الضلالة. والرَّقدة: ما بين النفختين.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا ) قال: الكافرون يقولونه .
ويعني بقوله ( مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا ) من أيقظنا من منامنا، وهو من قولهم: بعث فلان ناقته فانبعثت، إذا أثارها فثارت. وقد ذُكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود: (مِنْ أّهَبَّنَاِ مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا) .. وفي قوله (هَذَا) وجهان: أحدهما: أن تكون إشارة إلى " ما "، ويكون ذلك كلاما مبتدأ بعد تناهي الخبر الأول بقوله ( مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) فتكون " ما " حينئذ مرفوعة بهذا، ويكون معنى الكلام: هذا وعد الرحمن وصدق المرسلون. والوجه الآخر: أن تكون من صفة المرقد، وتكون خفضا وردا على المرقد، وعند تمام الخبر عن الأول، فيكون معنى الكلام: من بعثنا من مرقدنا هذا، ثم يبتدىء الكلام فيقال: ما وعد الرحمن، بمعنى: بعثكم وعد الرحمن، فتكون " ما " حينئذ رفعا على هذا المعنى.
وقد اختلف أهل التأويل في الذي يقول حينئذ: هذا ما وعد الرحمن، &; 20-533 &; فقال بعضهم: يقول ذلك أهل الإيمان بالله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ ) مما سر المؤمنون يقولون هذا حين البعث .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله ( هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) قال: قال أهل الهدى: هذا ما وعد الرَّحْمَنُ وصدق المرسلون .
وقال آخرون: بل كلا القولين، أعني ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) : من قول الكفار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) ثم قال بعضهم لبعض ( هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) كانوا أخبرونا أنا نبعث بعد الموت، ونُحاسب ونُجازَى .
والقول الأول أشبه بظاهر التنـزيل، وهو أن يكون من كلام المؤمنين، لأن الكفار في قيلهم ( مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) دليل على أنهم كانوا بمن بعثهم من مَرْقَدهم جُهَّالا ولذلك من جهلهم استثبتوا، ومحال أن يكونوا استثبتوا ذلك إلا من غيرهم، ممن خالفت صفته صفتهم في ذلك.