وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وضمير { وإنه على ذلك لشهيد } عائد إلى الإنسان على حسب الظاهر الذي يقتضيه انتساق الضمائر واتحاد المتحدث عنه وهو قول الجمهور .
والشهيد : يطلق على الشاهد وهو الخبر بما يُصدَّق دعوى مدع ، ويطلق على الحاضر ومنه جاء إطلاقه على العالم الذي لا يفوته المعلوم ، ويطلق على المقر لأنه شهد على نفسه .
والشهيد هنا : إما بمعنى المقر كما في «أشْهد أن لا إله إلا الله» .
والمعنى : أن الإنسان مقر بكنوده لربه من حيث لا يقصد الإِقرار ، وذلك في فلتات الأقواللِ مثل قول المشركين في أصنامهم : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى } [ الزمر : 3 ] . فهذا قول يلزمه اعترافهم بأنهم عبدوا ما لا يستحق أن يُعبد وأشركوا في العبادة مع المستحق للانفراد بها ، أليس هذا كنوداً لربهم ، قال تعالى : { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } [ الأنعام : 130 ] ، وفي فلتات الأفعال كما يعرض للمسلم في المعاصي .
والمقصود من هذه الجملة تفظيع كنود الإنسان بأنه معلوم لصاحبه بأدنى تأمل في أقواله وأفعاله . وعلى هذا فحرف { على } متعلق ب«شهيد» واسم الإِشارة مُشار به إلى الكُنود المأخوذ من صفة «كَنود» .
ويجوز أن يكون «شهيد» بمعنى ( عليم ) كقول الحارث بن حِلَّزة في عمرو بن هند
: ... وهو الربُّ والشهيدُ على يَوْ
م الخيَارَيْننِ والبَلاء بَلاء ... ومتعلق «شهيد» محذوفاً دلّ عليه المقام ، أي عليم بأن الله ربه ، أي بدلائل الربوبية ، ويكون قوله : { على ذلك } بمعنى : مع ذلك ، أي مع ذلك الكُنود هو عليم بأنه ربه مستحق للشكر والطاعة لا للكنود ، فحرف { على } بمعنى ( مع ) كقوله : { وآتى المال على حبه } [ البقرة : 177 ] و { يطعمون الطعام على حبه } [ الإنسان : 8 ] وقول الحارث بن حلزة
: ... فبقِينَا على الشَّناءَةِ تنْمِ
نَا حصون وعِرة قعساء ... والجار والمجرور في موضع الحال وذلك زيادة في التعجيب من كنود الإِنسان .
وقال ابن عباس والحسن وسفيان : ضمير { وإنَّه } عائد إلى «ربه» ، أي وأن الله على ذلك لشهيد ، والمقصود أن الله يعلم ذلك في نفس الإِنسان ، وهذا تعريض بالتحذير من الحساب عليه . وهذا يسوغه أن الضمير عائد إلى أقرب مذكور ونقل عن مجاهد وقتادة كلا الوجهين فلعلهما رأيا جواز المحملين وهو أولى .
وتقديم { على ذلك } على «شهيد» للاهتمام والتعجيب ومراعاة الفاصلة .
والشديد : البخيل . قال أبو ذؤيب راثياً
: ... حَذَرْنَاه بأثواب في قَعر هوة
شَديدٍ على ما ضُمَّ في اللحد جُولُها ... والجول بالفتح والضَّم : التراب ، كما يقال للبخيل المتشدد أيضاً قال طرفة
: ... عقيلة مال الفاحش المتشدد
واللام في { لحب الخير } لام التعليل ، والخير : المال قال تعالى : { إن ترك خيراً } [ البقرة : 18 ] .
والمعنى : إن في خُلق الإِنسان الشُّحّ لأجل حبه المال ، أي الازدياد منه قال تعالى : { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } [ الحشر : 9 ] .