وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)
هذا ذكر معجزة وكرامة لسليمان . وهي أن سخر إليه من القُوى المجردة من طوائف الجنّ والشياطين التي تتأتّى لها معرفة الأعمال العظيمة من غوص البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان ومن أعمال أخرى أجملت في قوله تعالى : { ويعملون عملاً دون ذلك }. وفصّل بعضها في آيات أخرى كقوله تعالى : { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات } [ سبأ : 13 ] وهذه أعمال متعارفة . وإنما اختصّ سليمان بعظمتها مثل بناء هيكل بيت المقدس وبسرعة إتمامها .
ومعنى { وكنا لهم حافظين } أن الله بقدرته سخرهم لسليمان ومنعهم عن أن ينفلتوا عنه أو أن يعصوه ، وجعلهم يعملون في خفاء ولا يؤذوا أحداً من الناس؛ فجمع الله بحكمته بين تسخيرهم لسليمان وعلمه كيف يَحكمهم ويستخدمهم ويطوعهم ، وجعلهم منقادين له وقائمين بخدمته دون عناء له ، وحال دونَهم ودونَ الناس لئلا يؤذوهم . ولما توفّي سليمان لم يسخر الله الجنّ لغيره استجابة لدعوته إذ قال : { وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } [ ص : 35 ]. ولما مكّن الله النبي محمداً صلى الله عليه وسلم من الجنيّ الذي كاد أن يفسد عليه صلاته وهَمَّ بأن يربطه ، ذَكَر دعوة سليمان فأطلقه فجمع الله له بين التمكين من الجنّ وبين تحقيق رغبة سليمان .
وقوله { لهم } يتعلق ب { حافظين } واللام لام التقوية . والتقدير : حافظينهم ، أي مانِعينهم عن الناس .