وتفسير الآية تقدّم في نظيرها آنفاً في قصّة نوح ، إلاّ أنّه قال في قصّة نوح { وأنْصح لكم } [ الأعراف : 62 ] وقال في هذه { وأنا لكم ناصح أمين } فنوحٌ قال ما يدلّ على أنّه غير مُقلع عن النّصح للوجه الذي تقدّم ، وهود قال ما يدلّ على أنّ نصحه لهم وصف ثابت فيه متمكّن منه ، وأن ما زعموه سفاهةً هو نصح .
وأُتبع { ناصح } ب { آمين } وهو الموصوف بالأمانة لردّ قولهم له : { لنظنّك من الكاذبين } [ الأعراف : 66 ] لأنّ الأمين هو الموصوف بالأمانة ، والأمانة حالة في الإنسان تبعثه على حفظ ما يجب عليه من حقّ لغيره ، وتمنعه من إضاعته ، أو جعله لنفع نفسه ، وضدّها الخيانة .
والأمانةُ من أعزّ أوصاف البشر ، وهي من أخلاق المسلمين ، وفي الحديث : « لاَ إيمَانَ لِمَنْ لاَ أمان له » وفي الحديث : « إنّ الأمانة نزلت في جذر قلوب الرّجال ثم عَلِمُوا من القرآن ثمّ عَلِمُوا من السُّنَّة ثمّ قال يَنام الرجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه إلى أن قال فيقال : إنّ في بني فلان رَجُلاً أميناً ويقال للرّجل ما أعْقَله وما أظرفه وما أجْلَده وما في قلبه مثقالُ حبّة من خَرْدَللٍ من إيمان » فذَكَر الإيمان في موضع الأمانة . والكذبُ من الخيانة ، والصّدق من الأمانة ، لأنّ الكذب الخبر بأمر غير واقع في صورة توهم السّامع واقع ، فذلك خيانة للسّامع ، والصّدق إبلاغ الأمر الواقع كما هو فهو أداء لأمانةِ ما علِمَه المخبرُ ، فقوله في الآية { أمين } وصف يجمع الصّفات التي تجعله بمحلّ الثّقة من قومه ، ومن ذلك إبطال كونه من الكاذبين .
وتقديم { لكم } على عامله للإيذان باهتمامه بما ينفعهم .