هذه الحروف الأربعة المقطّعة التي افتتحت بها هاته السّورة ، يُنطَق بأسمائها ( ألِفْ لاَمْ مِيمْ صَادْ ) كما يَنْطِق بالحروف ملقِّن المتعلّمين للهجاء في المكتب ، لأنّ المقصود بها أسماء الحروف لا مسميّاتها وأشكالها ، كما أنّك إذا أخبرت عن أحد بخبر تذكر اسم المخبر عنه دون أن تَعْرِض صورته أو ذاته ، فتقولُ مثلاً : لقيت زيداً ، ولا تقول : لقيت هذه الصورة ، ولا لقيتُ هذه الذات .
فالنّطق بأسماء الحروف هو مقتضَى وقوعها في أوائل السّور التي افتتحت بها ، لقصد التّعريض بتعجيز الذين أنكروا نزول القرآن من عند الله تعالى ، أي تعجيزِ بلغائهم عن معارضته بمثله كما تقدّم في سورة البقرة .
وإنّما رسموها في المصاحف بصور الحروف دون أسمائها ، أي بمسمّيات الحروف التي يُنطق بأسمائها ولم يرسموها بما تُقْرأ به أسماؤُها ، مراعاة لحالة التّهجي ( فيما أحسب ) ، أنّهم لو رسموها بالحروف التي يُنطق بها عند ذكر أسمائها خَشُوا أن يلتبس مجموعُ حروف الأسماءِ بكلمات مثل ( يَاسين ) ، لو رسمت بأسماء حروفها أن تلتبس بنداء من اسمه سين .
فعدلوا إلى رسم الحروف علماً بأنّ القارىء في المصحف إذا وجد صورة الحرف نَطق باسم تلك الصّورة . على معتادهم في التّهجي طرداً للرسم على وتيرة واحدة .
على أنّ رسم المصحف سنّة سنّها كُتاب المصاحف فأقِرّت . وإنّما العمدة في النّطق بالقرآن على الرّواية والتّلقي ، وما جُعلت كتابة المصحف إلاّ تذكرة وعوناً للمتلقّي .
وتقدّم هذا في أوّل سورة البقرة وفيما هنا زيادة عليه .