التفريع على قوله : { وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } [ النساء : 154 ] والباء للسبيبة جَارّة ل { نقضهم } ، و ( وما ) مزيدة بعد الباء لتوكيد التسبّب . وحرف ( ما ) المزيد بعد الباء لا يكفّ الباء عن عمل الجرّ وكذلك إذا زيد ( ما ) بعد ( من ) وبعد ( عن ) . وأمّا إذا زيد بعد كاف الجرّ وبعد ربّ فإنّه يكفّ الحرف عن عمل الجرّ .
ومتعلَّق قوله { بما نقضهم } : يجوز أن يكون محذوفاً ، لتذهب نَفْس السامع في مذاهب الهول ، وتقديره : فعَلْنا بهم ما فَعَلْنا . ويجوز أن يتعلّق ب { حرّمْنا عليهم طيّبات أحلّت لهم } [ النساء : 160 ] ، وما بينهما مستطردات ، ويكون قوله : { فبظلم من الذين هَادُوا } [ النساء : 160 ] كالفذلكة الجامعة لِجرائمهم المعدودة من قبل . ولا يصلح تعليق المجرور ب { طَبَعَ } لأنَّه وقع ردّا على قولهم : { قلوبنا غلف } ، وهو من جملة المعطوفات الطالبة للتعلّق ، لكن يجوز أن يكون «طبع» دليلاً على الجواب المحذوف .
وتقدّم تفسير هذه الأحداث المذكورة هنا في مواضعها . وتقدّم المتعلِّق لإفادة الحصر : وهو أن ليس التحريم إلاّ لأجللِ ما صنعوه ، فالمعنى : ما حرمنا عليهم طيّبات إلاّ بسبب نقضهم ، وأكّد معنى الحصر والسَّبب بما الزائدة ، فأفادت الجملة حصراً وتأكيداً .
وقوله : { بل طبع الله عليها بكفرهم } اعتراض بين المعَاطيف . والطبع : إحْكام الغلق بجعل طين ونحوه على سدّ المغلوق بحيث لا ينفذ إليه مستخرِج ما فيه إلاّ بعد إزالة ذلك الشيء المطبوع به ، وقد يَسِمُون على ذلك الغلق بسمة تترك رسماً في ذلك المجعول ، وتسمّى الآلة الواسمة طابعاً بفتح الباء فهو يرادف الخَتْم . ومعنى { بكفرهم } بسببه ، فالكفرُ المتزايد يزيد تعاصي القلوب عن تلقّي الإرشاد ، وأريد بقوله : { بكفرهم } كفرهم المذكور في قوله : { وكفرهم بآيات الله } .
والاستثناء في قوله : { إلا قليلاً } من عموم المفعول المطلق : أي لا يؤمنون إيماناً إلاّ إيماناً قليلا ، وهو من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه إذ الإيمان لا يقبل القلّة والكثرة ، فالقليل من الإيمان عدم ، فهو كفر . وتقدّم في قوله : { فقليلاً ما يؤمنون } [ البقرة : 88 ] . ويجوز أن يكون قلّة الإيمان كناية عن قلّة أصحابه مثل عبد الله بن سلاَم .