الرَّحْمَنُ (1(هذه آية واحدة عند جمهور العادِّين . ووقع في المصاحف التي برواية حفص عن عاصم علامةُ آية عقب كلمة { الرحمن } ، إذ عدّها قراء الكوفة آية فلذلك عد أهل الكوفة آي هذه السورة ثمانياً وسبعين . فإذا جعل اسم { الرحمن } آية تعين أن يكون اسم «الرحمن» : إما خبراً لمبتدأ محذوف تقديره : هو الرحمن ، أو مبتدأ خبره محذوف يقدر بما يناسب المقام .
ويجوز أن يكون واقعاً موقع الكلمات التي يراد لفظها للتنبيه على غلط المشركين إذ أنكروا هذا الاسم قال تعالى : { قالوا وما الرحمن } كما تقدم في سورة الفرقان ( 60 ( ، فيكون موقعه شبيهاً بموقع الحروف المقطَّعة التي يُتَهجّى بها في أوائل بعض السور على أظهر الوجوه في تأويلها وهو التعريض بالمخاطبين بأنهم أخطأوا في إنكارهم الحقائق .
وافتتح { باسم الرحمن } فكان فيه تشويق جميع السامعين إلى الخبر الذي يخبر به عنه إذ كان المشركون لا يألفون هذا الاسم قال تعالى : { قالوا وما الرحمن } [ الفرقان : 60 ] ، فهم إذا سمعوا هذه الفاتحة ترقبوا ما سيرد من الخبر عنه ، والمؤمنون إذا طرق أسماعهم هذا الاسم استشرفوا لما سيرد من الخبر المناسب لوصفه هذا مما هم متشوقون إليه من آثار رحمته .
على أنه قد قيل : إن هذه السورة نزلت بسبب قول المشركين في النبي صلى الله عليه وسلم { إنما يعلمه بشر } [ النحل : 103 ] ، أي يعلمه القرآن فكان الاهتمام بذكر الذي يعلم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن أقوى من الاهتمام بالتعليم .
وأوثر استحضار الجلالة باسم { الرحمن } دون غيره من الأسماء لأن المشركين يأبون ذكره فجمع في هذه الجملة بين ردَّين عليهم مع ما للجملة الاسمية من الدلالة على ثبات الخبر ، ولأن معظم هذه السورة تعداد للنعم والآلاء فافتتاحها باسم { الرحمن } براعة استهلال .
وقد أُخبر عن هذا الاسم بأربعة أخبار متتالية غير متعاطفة رابعها هو جملة { الشمس والقمر بحسبان } [ الرحمن : 5 ] كما سيأتي لأنها جيء بها على نمط التعديد في مقام الامتنان والتوقيف على الحقائق والتبكيت للخصم في إنكارهم صريح بعضها ، وإعراضهم عن لوازم بعضها كما سيأتي ، ففصل جملتي { خلق الإنسان علمه البيان } [ الرحمن : 3 ، 4 ]